
زيادة: كلمة إفتتاحية
كانت الكلمة الافتتاحية لمدير فرع المركز في بيروت، د. خالد زيادة، فرحب بالباحثين المشاركين وبالحضور. واعتبر الحكومة العربية في دمشق 1918-1920 "تجربة فريدة يمكن أن نؤرخ فيها لتاريخنا المعاصر طوال قرنٍ كامل". فالعقد الثاني من القرن العشرين كان في رأيه "عقد التحولات الكبرى، من نشوب الحرب العالمية الأولى إلى سقوط الامبراطوريات، إلى المعاهدات والإتفاقيات والوعود التي رسمت مصير عالمنا العربي، ومازالت تتفاعل آثارها إلى يومنا هذا". وذكّر زيادة بتكامل حلقات مؤتمرات المركز العربي السنوية للدراسات التاريخية، التي ألقت في السنوات السابقة نظرات جديدة على الحرب العالمية الأولى وعلى معاهدة سايكس بيكو، في مناسبة مرور مئة عام على اندلاع الحرب الأولى (مؤتمر العام 2016)، إضافة إلى مؤتمر المركز في الدوحة ( 2018) الذي كان عن نكبة فلسطين والعرب سنة 1948.
محافظة: سنتان من الآمال والإخفاقات
الجلسة الافتتاحية اقتصرت على علي محافظة (أكاديمي ومؤرخ أردني)، فرأى في الحكومة العربية بدمشق "أول محاولة قومية عربية لإنشاء كيان سياسي عربي مستقل، ولاستعادة العرب دورهم في التاريخ بعد إبعادهم عنه مدة ألف سنة ونيف". لذا اعتبرها "تجربة فريدة في تاريخ العرب الحديث. فللمرة الأولى يلتقي ضباط عسكريون ومثقفون مدنيون من سورية الطبيعية والعراق والحجاز، وينشئون نواة دولة عربية، بعد إنشائهم قبلها بعامين نواة دولة عربية في مكة المكرمة تشمل أقطار آسيا العربية، وشاركت فيها شخصيات عسكرية ومدنية من الحجاز وبلاد الشام ومصر والعراق".
لكن محافظة لاحظ في بحثه أن "النخب العربية افتقرت إلى الخبرة الإدارية في بناء الدولة الحديثة"، على الرغم من نجاحها في "تحديد أهدافها السياسية: وحدة أقطار آسيا العربية واستقلالها". أما قيادة الحركة العربية آنذاك "فلم تكن لديها المعرفة بأصول الدبلوماسية الحديثة والمعاهدات والاتفاقات الدولية"، بحسب محافظة الذي رأي أن هناك أيضًا "جهل" النخب إياها "بالتاريخ السياسي والدبلوماسي الأوروبي، وبتاريخ العلاقات بين الدول الأوروبية في العصور الحديثة، وبالحركة الصهيونية ونفوذها المتعاظم في الدول الأوروبية". وهذا ما ساهم في رأيه في "وقوعها (النخب) بسهولة في فخاخ الخداع الدبلوماسي البريطاني.
أما المجتمع العربي في منطقة الهلال الخصيب، فرأى محافظة أن الحرب "أنهكته طوال سنوات أربع (الحرب العالمية الأولى) من الجوع والحرمان والأوبئة والفقر المدقع"، فضلًا عن أنه مجتمع "مفكك يفتقر إلى التجانس والتماسك".
حنا: دور شرائح المجتمع المدني
استهل الجلسة الأولى مديرها حسن منيمنة (أكاديمي ومؤرخ)، فعرّف بالمشاركين الثلاثة فيها، ثم بدأ عبدالله حنا (أكاديمي ومؤرخ سوري) في عرض بحثه. وهو استند في منهجيته على "التأثيرات المتبادلة بين عوامل ثلاثة أدت إلى نشوء الدولة العربية السورية والمجتمع المدني وشرائحه الاجتماعية": "اقتصادية - اجتماعية مغيّبة في كثير من الأحيان، وتراثية وخارجية".
وتوسع حنا في قراءته تأثير العوامل التالية في قيام الحركة العربية في بدايات القرن العشرين: "الصناعات الحرفية وطوائفها أو أصنافها، وتحركات العامة، والطرق الصوفية، باعتبارها أحزاب أيام زمان". وهذا إضافة إلى "مراحل تملك الأرض وظهور طبقة الإقطاعيين والأعيان". وهو رأى أن الدولة العربية الحديثة "واجهت شرائح أربع اجتماعية عليا هي: 1) الأسر المرتبطة بالمؤسسة الدينية المتولية للأوقاف، 2) الأسر ذات الجذور الانكشارية المحلية الممتهنة أعمال شبه العسكرية (الأغوات)، 3) كبار الموظفين من مدنيين وعسكريين الذين سعى الأمير فيصل إلى استمالتهم وسرعان ما انفضّوا عنه، 4) العائلات التجارية المرتبطة بالتجارة الداخلية والإنتاج المحلي. وقد تزعم شباب هذه العائلات الحركة التنويرية والإصلاحية، وتطلعوا إلى بناء دولة حديثة".
جابر: بين الوحدة السياسية والعصبيات المحلية
في ورقته البحثية ألقى منذر جابر (أكاديمي ومؤرخ لبناني) ضوءًا على ما اعتبره "مغيبًا في التآليف المنشورة في مرحلة الحكم الفيصلي، وتحديدًا تلك التي تدور على الحكومات المحلية في مناطق من بلاد الشام". والمغيب ذاك في رأيه هو "تفاصيل وازنة يمكن أن تكون المؤشر الفعلي على سرّ الأحداث وكوامنها".
وتعرض جابر بالنقد إلى "الرواية التاريخية المتداولة" حول ما يسميه "الحكم الفيصلي"، وهي الرواية التي "صارت رواية رسمية للمرحلة بلا منازع - بحسبه - وصار الطعن فيها فاكهة باحثين وأبحاث" كثيرة. وتبدو "المرحلة الفيصلية" لجابر في هذه الرواية "مرحلة اجتماع أهلي متظافر"، لكنها في رأيه "مشوبة بنكد العائلية والطائفية والعصبية والمناطقية ".
وقرأ جابر ما أحاط بالحكومة العربية في دمشق من "انقسامات نزعت عنها هالة التوحيد السياسي، سواء في الموقف من الشخصيات غير السورية، أي العراقية والفلسطينية، أو من القيادات السورية نفسها". وأطل جابر أيضًا على ما عرف بـ "الحكومة المحلية في منطقة جبل عامل، وما كانت تمثله من انقسامات سياسية مركبة، ما بين العصبية والطائفة والمنطقة والمنشأ الاجتماعي".
السمر: الحكومة العربية وبناء الدولة
المشاركة الثالثة والأخيرة في الجلسة الأولى كانت من د. عمار السمر (أكاديمي ومؤرخ سوري)، فرأى أن نهاية الدولة العثمانية "توجت سياقًا طويلًا من الرغبة الأوروبية في الهيمنة على المنطقة. فانهيار العالم العثماني - الإسلامي في نهاية سياق تاريخي طويل". أما "النخبة القليلة في الحركة العربية التي تحالفت مع الغرب، فكان يحدوها الأمل - حسب السمر - في الدخول في عالم جديد تخيلته. وهذا ما عُرف بالثورة العربية الكبرى".
واللافت في قراءة السمر ملاجظته أن "ما تشكل آنذاك لم يكن دولة عربية، بل حكومة عملت على عدم توقف الحياة في البلاد، وعلى استمرار بقايا مؤسسات وأجهزة الدولة الموروثة بعد رحيل الحكومة العثمانية". وفي مدة الـ 22 شهراً التي عاشتها تلك الحكومة. وسلط الباحث الضوء على أهم المؤسسات والأجهزة والقوانين التي "وُضعت أو عُدلت لتتكيف مع الدولة العربية المنشودة لتكون أداتها". ثم عرّف بالفئات التي قامت عليها، وتحدث عن "تفاعل الأهالي معها". ولاحظ أيضًا أن "الأجهزة لا تكفي لقيام واستمرار الدولة، فكان لا بد من إيدلوجية جامعة (العروبة)". وختم السمربحثه معتبرًا أن الحكومة العربية "قامت في الوقت المستقطع ريثما يتفق الخصوم الأوروبيون في ما بينهم".
بيات: الحكومة العربية في وثائق الأرشيف العثماني
الجلسة الثانية استهلها د. بطرس لبكي (أكاديمي وباحث لبناني) معرّفًا بالمؤرخين المشاركين فيها. ثم تحدث د. فاضل بيات (أكاديمي ومؤرخ عراقي) عن حكومة دمشق العربية في الأرشيف العثماني الذي "يحفل - بحسبه - بكم هائل من الوثائق التي تسلّط الأضواء على القضايا التي تتعلق بالعرب والولايات العربية في العهد العثماني، ومنها ما يتعلق بالأمير فيصل بن الشريف حسين، وبالحكومة العربية. وعلى الرغم من أهميتها واحتوائها معلومات فريدة، لم ترد معظمها في أي مصدر من المصادر". وذكر بيات صناف الوثائق التركية: "تقارير الضباط العثمانيين الموفدين سرًا إلى سورية، تقارير مفتشية الأمن في اسطنبول، تقارير عن العوائل السورية المعلقة في الأناضول، وعن العرب في السجون العثمانية، وتسريح العسكريين العرب في الجيش العثماني، وعن موقف العشائر العربية في الأنضول من الحكومة العربية في دمشق، وتقارير المسؤولين العثمانيين عن الشؤون العربية في الصحف الأجنبية".
أرناؤوط: نظرة ويلسن إلى الدولة العربية
محمد الأرناؤوط (باحث في الأدب المقارن مقيم في البوينة) تحدث عن النظرة الأمريكية/الولسونية إلى الدولة العربية ومآل "الكتاب الأسود" وانجرار الرئيس الأمريكي ويلسون إلى إعلان الحرب على ألمانيا في نيسان 1917. واستعاد المبادئ والمواقف الويلسونية: "السلام القائم على العلم (Scientific Peace) الذي يوفر للدول القومية الحدود الطبيعية. ولذلك ألّف لجنة سرية من كبار الأكاديميين (لجنة كنغ - كراين) ظلت تعمل حوالي سنة ونصف حتى وضعت تقريرها الأولى في نهاية 1918 وسلمته مجلدًا باللون الأسود إلى الرئيس ويلسون في 21 /1/ 1919 ليسترشد به في مناقشات مؤتمر الصلح حول خريطة العالم الجديدة". وعرض الباح نظرة التقرير إلى الشرق الأوسط الجديد، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، وتصوّره لتشكيل دول قومية جديدة (تركية وأرمنية وعربية الخ) مع المبررات والخرائط . وقد "أقرالتقرير بوجود شعب عربي يتحدث لغة واحدة في بلاد الشام والعراق والجزيرة العربية مع الفارق الثقافي بين جهة وأخرى، معتبرًا أن الثقافة العرب الحضرية تؤهلهم لتكون لهم دولة تشمل سوريا ولبنان وشرق الأردن".
محمود: القضية السورية في الصحافة المصرية
تناول أيمن أحمد محمود (مؤرخ مصري) "القضية السورية في الصحافة المصرية: 1918-1920م". فالصحف المصرية بحسبه، تقدم "دلالات ومؤشرات مهمة حول صورة الحكومة العربية ومكانتها والآراء التي تناولتها". وقرأ المؤرخ "الأيدولوجيا الفكرية لكُتاب الصحف المصريين" عن المسألة السورية، وهم كانوا من "الأدباء والسياسيين السوريين واللبنانيين المقيمين في مصر"، وقدم صورة عن صدى إعلان الحكومة العربية في مجتمع السوريين في القاهرة. واعتمد محمود في دراسته على كتاب وثائقي مهم ونادر ويتضمن وثائق "حزب الاتحاد السوري وأعماله في مصر والمهجر1918-1922".
ثم عرض الاتجاهات السياسية والحزبية السورية في مصر وموقفها من التطورات السياسية للقضية السورية وعلاقتها بالسفارة البريطانية في القاهرة. والقت الدراسة الضوء على أهمية الجمعيات الإغاثية التي شكلها السوريون في مصر.
باروت: العلاقات بين الحركتين الاستقلاليتين العربية والتركية
الجلسة الثالثة والأخيرة من النهار الأول من المؤتمر أدارتها مارلين نصر (أكاديمية وباحثة لبنانية في المركز)، واستهلها د. جمال باروت (باحث في المركز) متحدثًا عن العلاقات بين الحركتين الاستقلاليتين العربية والتركية في فترة الحكومة العربية، فراى أنها "غير مدروسة حتى اليوم، إلا بشكل جزئي عابر". وميز باروت بين "ثلاث مراحل في العلاقات بين الحركتين": الأولى سماها مرحلة "اتفاق الاستبدال، وفيها جرت محاولة فرض الجندية الإلزامية، ورفع وتائر الثورات ضد القوات الفرنسية في شمالي سورية ووسطها وفي جبل العلويين. وترافق ذلك مع بروز النشاط الجمعياتي العربي المناصر للحركة القومية التركية في مدينة حلب". المرحلة الثانية تميزت "بمحاولة الأمير فيصل القيام بسلسلة إجرءات لتهدئة الحركات الثورية المندلعة" في المرحلة الأولى. وذلك في "سياق عمله على الالتزام باتفاق فيصل - كليمنصو، فقامت الحكومة العربية بتضييق شديد على قادة الجمعية الديموقراطية في حلب". أما المرحلة الثالثة فذكر باروت أنها "تبدأ بعد إعلان المؤتمر السوري في السابع من آذار 1920 استقلال سورية ضمن حدودها الطبيعية، وتمثلت بدايتها الفعلية في انقسام الحكومة العربية بين من يرى تمرير الحافلات العسكرية الفرنسية بل والقتال إلى جانب الفرنسيين وبين من يعارض ذلك بشدة، ويطرح التحالف مع القوميين الأتراك.
غزلان: نفط الموصل يعدل الاتفاقيات
وتحدث محمود غزلان ( أكاديمي وباحث مصري) عن سياسات بريطانيا في ما يتعلق باحتياطات الفحمِ والنفط أثناءِ الحربِ العامةِ الأولى وقبلها. فلاحظ أنَّ ما كانت "تمتلكُهُ من النفطِ كانَ قليلاً جدًا قياسًا إلى طمُوحاتِها الإمبراطوريةِ، فاتبعتْ سياسةً أثبتتْ الأزمةُ النفطيةُ التي تعرضتْ لها عام 1917م عدم جدواها، واقتضتْ الضرورةُ أن توفرَ إمداداتٍ آمنةً من النفطِ من دون الاعتمادِ على الآخرين حتى ولو كانوا حلفاءها". أما الحربُ الأولى فقد "هيأتْ لها - بحسبه - فرصةَ تأمينِ احتياجاتها النفطيةِ عبرَ السيطرةِ على كمياتٍ كبيرةٍ من نفطِ الشرقِ. فأدركتْ فرنسا أَنَّها في حاجةٍ إلى الوصولِ إلى إمداداتٍ نفطية خارجيةٍ آمنةٍ وموثوقٍ بها. وكانتْ بلادُ فارسِ والعراق هما مركزا انتاج النفطِ في المنطقة".
وسلط غزلان الضوءَ على موقعِ الموصلِ من اتفاقيةِ سايكس - بيكو ، والأسبابِ التي اضطرتْ بريطانيا إلى التنازلِ عنها، وكيفَ فسرَ المؤرخونَ المعنيونَ هذا التنازلِ". وعرج على الأزمةِ النفطيةِ التي تعرضتْ لها بريطانيا عام 1917م، وكيف "ساهمَ زاولُ الخطر ِالروسيِ بالاشتراك مع تعاظمِ تداعياتِ الأزمةِ في إعادةِ النظرةِ البريطانيةِ في إتفاقيةِ سايكس – بيكو، ومحاولةِ انتزاعِ الموصلِ من حليفتِها مستغلة وضعها غير المستقر في سوريا".
حداد: حكومة دمشق بين المحلي والاقليمي والدولي
تمحور بحث محمود حداد (باحث وأكاديمي لبناني) حول الحكم العربي بعد الحرب العالمية الأولى في "أطارين حددا العوامل الداخلية والخارجية التي جعلت من المستحيل على تلك التجربة العربية الاستقلالية الأولى أن تصيب النجاح". في الاطار الداخلي "تعددت المنافسات بين قوى الثورة العربية التي حررت دمشق والقوى السياسية السورية المحلية من أعيان من ناحية وحركات شعبوية من ناحية أخرى"، بحسب حداد. أما في الاطار الخارجي، "فلم يستطع الحكم العربي - في رأيه - الحصول على أي دعم أقليمي أو دولي في وجه اصرار فرنسا على فرض انتدابها على سورية ولبنان". أما "تحالف الحكم العربي مع الحركة الوطنية التركية بقيادة مصطفى كمال"، فرأى حداد أنه "وصل إلى خاتمته عندما توصلت الحركة الوطنية التركية إلى اتفاق مع باريس يقضي بانسحاب القوات الفرنسية من المناطق التركية الجنوبية المتاخمة لشمال سورية". وعلى الصعيد الدولي "حاول الحكم العربي الاتصال الروس طلبًا لدعمهم"، لكن حداد بيّن أن "البلاشفة كانوا يدعمون الحركة الوطنية التركية". وهكذا "أُغلقت الأبواب الإقليمية والدولية في وجه المشروع الإستقلالي العربي ودخلت فرنسا بجيشها إلى دمشق بعد معركة ميسلون ووقعت سوريا تحت الانتداب"، ختم حداد بحثه.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك