
في تقديمه للعدد الثاني من سلسلة الـ100 كتاب "المغدورة" التي كانت تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، قال الشاعر والمترجم رفعت سلام، بالتحديد في تموز/يوليو 2012، إن نظرةً متأملة لتاريخ الترجمة المصرية والعربية في القرن العشرين، ستكشف ما سادها من عشوائية، رغم بعض الجهود الكبرى الجديرة بالاعتبار (من قبيل سلسلة "الألف كتاب" الأولي، على سبيل المثال)، واعتماد جهود الترجمة على الفردي/الذاتي في اختيار العمل المترجَم، والافتقار إلى إستراتيجية واضحة من قِبل المؤسسات المعنية، والتفاوت المذهل في مستويات ترجمة الأعمال الثقافية الرفيعة، ما أدى في كثير من الأحيان إلى تشويه هذه الأعمال مصريًّا أو عربيًّا.
كان يرى أن هذه الوضعية المركبة أدت –مع عوامل أخرى بالطبع- إلى افتقار المكتبة المصرية والعربية لترجمات رصينة، لعدد لا يستهان به من عيون الثقافة العالمية. وهو ما يعني في نظره، "فجوات معرفية" ليست هينة، تعانيها ثقافتنا المصرية/العربية في بنيتها الأساسية، نتيجة الفجوات الناجمة عن فعل الترجمة، أو بالأحرى غيابه، بالإضافة إلى فجوات معرفية لدى الأجيال المختلفة بفعل عدم توافر الترجمات الرصينة للأعمال الرفيعة المترجمة في الماضي القريب.
كان سلام يأمل أن ترمم سلسلته الوليدة، ولو جزءاً بسيطاً من هذا الصدع الكبير الذي تكوّن عبر السنين، لكن للأسف تعطلت السلسلة أكثر من مرة لأسباب بيروقراطية عقيمة، ولم تستمر التجربة واضطر سلام لتقديم استقالته في 2017 لإصرار المسؤولين على "القتل البطيء" للمشروع الذي توقف منذئذ، وما زال مستقبل السلسلة معلقاً حتى الآن.
تجربة سلام واحدة من تجارب عديدة -على مستوى النشر الرسمي فقط- لإنقاذ الترجمة من حالة البؤس التي سيطرت عليها لسنوات طويلة، لكنها تجربة دالة جداً وكاشفة لغياب أي رؤية مؤسسية لانتشالها من هذا الوضع المأسوي الذي غرقت فيه.
هل تغير الوضع الآن؟ نعم. لأنه ببساطة ظهر متغير أساس بات ملحوظاً حالياً بخصوص وضع الترجمة، إذ التقطت دور النشر الخاصة طرف الخيط، وعادت المبادرات الفردية لتحل محل الدور الرسمي المتخبط والمتراجع، فانتعشت الترجمة، وتعددت العناوين المطروحة، وزادت نسب المبيعات.
تقارير ومتابعات عديدة أكدت أن هناك حركة ملحوظة في مجال الترجمة خلال السنوات القليلة الماضية؛ دور النشر الخاصة خصصت جزءاً كبيراً من خريطتها لنشر الترجمة وأخرى تحولت بالكامل. هناك أيضا اختلاف في حركة بيع تلك الكتب خلال الشهور الماضية رغم ارتفاع أسعارها. ربما الحركة ليست بالقوة التي نقرأ عنها في الكتب، حول فترات ازدهار الترجمة أو نهضتها، وربما دوافعها مختلفة أيضاً، لكن حتى ولو كانت بحثاً عن الربح في سلعة رائجة، فيكفي أنها حركت بحيرة راكدة منذ وقت ليس بالقليل.
هنا شهادات لمترجمين، العنصر الأبرز في المنظومة، نحاول أن نتأكد منهم ونبحث معهم في الأسباب.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك