
صحيفة الأخبار :
فيلتمان للبنانيين: خياراتنا أو الفوضى!
في الثاني والعشرين من آذار الماضي، كان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيروت، يهدّد اللبنانيين. وضعهم بين خيارين: إما مواجهة حزب الله، أو دفع الثمن. ما قاله بومبيو قبل 8 أشهر، كرره السفير الأميركي السابق (والأشهر) في لبنان، جيفري فيلتمان، أمام الكونغرس. قال ما معناه إن امام اللبنانيين خيارين: إما الالتزام بسياسات واشنطن، او الانهيار. وسياسات واشنطن تعني أيضاً الوقوف في وجه حزب الله (في شهادته، كرر فيلتمان كلمة حزب الله 49 مرة)، وإضعاف حلفائه في أي انتخابات مقبلة، وتأليف حكومة تكنوقراط
قدّم جيفري فيلمان رؤيته الخاصة بالوضع في لبنان. "ما يحدث مرتبط بالمصالح الأميركية"، هذا ما أكّده. وبدا الحراك في الكونغرس لافتاً، إذ التأمت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي (أحد فروع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي)، في جلسة بعنوان "ما هو التالي للبنان؟ دراسة الآثار المترتّبة على الاحتجاجات القائمة"، للاستماع إلى إفادة فيلتمان.
التظاهرات التي خرجَت في لبنان، منذ 17 تشرين الأول "لا تتعلّق بالولايات المتحدة". نبّه فيلتمان إلى ضرورة تجنّب ما من شأنه أن يصبّ التركيز على بلاده، لأن نتيجة ما يجري، راهناً، ستؤثّر على مصالح واشنطن، إن كان إيجاباً أو سلباً "في ما يمكن أن يشكّل لحظة محورية في تاريخ لبنان".
ثمّة وجهتَا نظرٍ شائعتان في الولايات المتحدة عندما يتعلّق الأمر بلبنان؛ الأولى رومانسية. أما بالنسبة إلى الثانية، فلبنان الذي عانى حرباً أهلية دموية، يُعدُّ قاعدة أماميّة خطيرة لإيران، تهدّد المصالح الأميركية في المنطقة وخارجها.
استعرض فيلتمان مدى تأثير "لبنان الصغير" على المصالح الأميركية بطرق كبيرة. الأكثر وضوحاً منها، هو "إسقاط إيران لدورها الإقليمي الخبيث" من خلال "حزب الله" الذي يمتلك قدرات متقدمة لتهديد إسرائيل وغيرها من حلفاء واشنطن. في الوقت ذاته، فإن خطر قيام الجماعات السنية المتطرفة بإنشاء معاقل لها في الداخل اللبناني قد تراجع إلى حدٍّ كبير، والفضل يعود لجهود الجيش اللبناني "المثيرة للإعجاب". من هنا، فإن تاريخ "حزب الله" والجماعات الإرهابية يوضح بما لا يدعُ مجالاً للشكّ، "مصلحتنا" في استقرار لبنان. بالنسبة إلى فيلتمان، أصبحت الحروب الأهلية بمثابة أدوات لتوسيع نفوذ إيران: من لبنان مروراً بالعراق وسوريا واليمن، حيث أنشأت الجمهورية الإسلامية جذوراً عميقة بات من الصعب التغلّب عليها. كذلك، أبدى قلقه من توسّع الدور الروسي "العدواني" في الإقليم والمتوسط، ومن كون هذه الأخيرة تضع لبنان نصب أعينها كمكان لمواصلة دورها المتصاعد. للدلالة على وجهة نظره، سأل: "ماذا لو استغلت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية؟ ستفوز في شرق وجنوب المتوسط، على حسابنا". ليس هذا فحسب، فهو قلق أيضاً من تنامي النفوذ الصيني، وصعوبة مقاومة اللبنانيين تقنية الجيل الخامس الصينية، "بالنظر إلى الحالة المؤسفة لشبكة الاتصالات". يخلص إلى أن لبنان، باختصار، "مكان للمنافسة الاستراتيجية العالمية، وإذا تنازلنا عن الأرض، سيملأ الآخرون الفراغ بسعادة".
مصالحنا أولاً
تعجّب كثر، على مرّ السنوات، مِن "الخدعة المسرحية" التي أتقنها لبنان: البقاء عائماً على المستوى السياسي والاقتصادي، وسط ظروف توحي بانهيار وشيك. لفت فيلتمان إلى أن التنبؤات بمصير لبنان غالباً ما أثبتت أنها خاطئة. لكن هذه المرة، يبدو الأمر مختلفاً، إذ إن إدارة الدين الداخلي والخارجي للبنان ليست معقّدة بشكل متزايد في اقتصاد لا ينمو فحسب، بل إن الجمهور مرهق وغاضب من الخطاب الطائفي والأعذار التي يستخدمها القادة السياسيون لتعزيز مصالحهم السياسية والمالية الضيقة. نتيجة لذلك، يخضع النظام السياسي اللبناني برمته إلى تدقيق علَني عدائي، وليس "حزب الله" إلّا هدفاً لهذا التدقيق.
الاحتجاجات الجارية حالياً تفوق بأهميتها ما جرى في 14 آذار 2005، "ذلك أن الشيعة انضموا إليها هذه المرة". وعلى الرغم من كونها لا تتعلّق بالولايات المتحدة، أشار إلى أنها تتقاطع مع المصالح الأميركية. لطالما صوّر "حزب الله" نفسه على أنه "لا يقهر" و"نظيف" و"مناهض للمؤسسة" مقارنة بالأحزاب اللبنانية الأخرى. لكن خطابات أمينه العام السيد حسن نصر الله، المشككة في التظاهرات، قوّضت الرواية التي تمَّت رعايتها بعناية، لدرجة أنها كانت أكثر فعالية من سنوات من الجهود الأميركية في هذا السياق. دعا نصر الله "الذي يروج لنظريات التدخل الأجنبي"، إلى إنهاء الاحتجاجات. لم يعد في إمكان الحزب أن يدّعي أنه "نظيف"، ومن حيث التصوّر العلني لدوره السياسي، فإنه هبط إلى نفس مستوى الأحزاب اللبنانية الأخرى المشكوك فيها. ذكّر أن الولايات المتحدة حاولت، وعلى مدى سنوات، حثّ اللبنانيين على مواجهة حقيقة أن "حزب الله" وصواريخه يخلقان خطر الحرب مع إسرائيل بدلاً من توفير الحماية منها.
التظاهرات الحالية تقوّض، أيضاً، "بشكل بنّاء" الشراكة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". شراكةٌ فرضت، بحسب فيلتمان، قشرة من الغطاء المسيحي على الحزب، ومكنته من توسيع نفوذه داخل المؤسسات الحكومية. مصوباً على وزير الخارجية جبران باسيل، قال إن الأخير لطالما استغلّ ما وصفه بـ"القلق الصادق" الذي تشعر به الولايات المتحدة ودول أخرى إزاء وضع المسيحيين في الشرق الأوسط، لتحويل الانتباه عن فساده ودوره الشخصي في تمكين "حزب الله".
على النقيض، أشاد فيلتمان بأداء الجيش اللبناني "الرائع". برأيه، حدثت بعض المشاكل والتناقضات في ردّ فعل الجيش على الاحتجاجات، حين قام بحماية المتظاهرين في بيروت "ضدّ بلطجية حزب الله وأمل"، بينما غضت عناصره الطرف في النبطية والجنوب. لكن بشكل عام، تعامل باحتراف وضبط النفس في الزوايا الأمنية والسياسية. وأُجبرت القوات المسلحة على العمل والمجازفة من دون أيّ توجيه سياسي أو غطاء من القيادة المدنية اللبنانية، ومع تهديدات مقنّعة من الحزب لقمع الاحتجاجات. يمكن، وفق فيلتمان، القوات المسلحة اللبنانية أن تكون مثالاً على كيف يمكن أن يبدأ الاحترام العام لمؤسسة وطنية مستقلّة وقادرة وذات مصداقية، في إزالة المشاعر الطائفية، لافتاً إل أن "هذه ظاهرة لا تخصّنا، ولكنها بالتأكيد تصبّ في مصلحتنا".
قد يتساءل البعض في واشنطن عمّا إذا كان على القوات المسلحة اللبنانية الآن الاستعداد لمواجهة الحزب ديناميكياً ونزع سلاحه بالقوة. "ستكون هذه وصفة لحرب أهلية، تستفيد منها إيران وعملاؤها". لذا وجب "التفكير على المدى الطويل". ولكن، بشكل عام، يعرف ضباط القوات المسلحة، مدى تحسُّن قدرات الجيش وكفاءته المهنية بفضل التدريب المستمر والمعدات الأميركية، وهو ما بدأ يدركه الشعب. يقارن هنا بين عمليتي نهر البارد (2007)، والجرود (2017)، للدلالة على تحسّن قدرات الجيش اللبناني! في الأولى، قُتل 158 من جنود الجيش وضباطه؛ أما في المعركة الثانية التي استغرقت عشرة أيام فقط، فقتل 7 من عناصر الجيش، من دون أن يأتي على ذكر مشاركة "حزب الله" والجيش السوري في هذه العملية. في المحصلة، "يجب أن ندرك أن علاقة القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله ليست قصة حب أبدية"، مبدياً أسفه لـ"تجميد المساعدات الأميركية العسكرية للجيش اللبناني، الذي سيعطي الحزب وسوريا وإيران نقطة نقاش مريحة حول عدم موثوقية" أميركا.
لا مستثمرين... إلا إذا
بينما ركّزت التظاهرات على القضايا المطلبية، إلا أنها تحدث في ظل أزمة مالية تلوح في الأفق. إذ يتأرجح لبنان منذ فترة طويلة على شفا كارثة مالية. وبسبب تشديد قيود التأشيرات على أوروبا والولايات المتحدة، وتراجع إمكانات التوظيف في دول الخليج، فُقد المنفذ التقليدي للشباب اللبناني، الوظائف في الخارج، وقدرته على تحويل مبالغ كبيرة من العملة الصعبة. يمكن لخصخصة أصول الدولة، كالاتصالات والكهرباء، وفق فيلتمان، أن تنتج إيرادات، وتحسّن الخدمات على المدى الطويل. وبالتأكيد، فإن الحوكمة الشفافة الموثوقة، يمكن أن تسهم في تحسينات اقتصادية. كما أن الاستثمارات الجديدة وعودة السياح الخليجيين والشركات والودائع المالية ستُحدث فرقاً كبيراً.
مع ذلك، فإن النجاح في جذب المستثمرين الغربيين ودول مجلس التعاون الخليجي سيظلّ بعيد المنال في ظل غياب التغييرات. سيبحث المستثمرون الغربيون والخليجيون في أي مكان آخر عن الفرص إذا ظل اللبنانيون راضين عن كونهم جزءاً من المحور الإيراني - السوري. المستثمرون والسيّاح لن يعودوا إلى لبنان بأعداد كبيرة طالما أن الحزب قادر على أخذ البلاد إلى الحرب من دون الالتفات إلى الرأي العام أو العودة إلى الحكومة.
هنا خيّر فيلتمان اللبنانيين بين: الطريق المؤدّي إلى الفقر الدائم أو الرخاء المحتمل. كيف؟ من خلال تحديد ما إذا كانوا سيستمرون في قبول الحكم السيّئ إلى جانب الفيتو الفعّال على القرارات الحكومية التي يصرّ عليها "حزب الله". قد لا يتمكّن الناخبون اللبنانيون من تجريد الحزب من ترسانته بين عشية وضحاها، لكن يمكنهم اغتنام الفرصة الانتخابية المقبلة لتجريده من الشركاء البرلمانيين الذين يستخدمهم لتأكيد إرادته السياسية: وهذا ما يفسر، وفق فيلتمان، الخط الأحمر الذي وضعه نصر الله على الانتخابات النيابية المبكرة.
التغيير وشروطه
رأى فيلتمان أن احتجاجات عام 2005، التي نجحت في إجبار الجيش السوري على مغادرة لبنان، تقدّم درساً مهمّاً في المرحلة الراهنة، تتمحور حول قيمة المبادرة المحلية المقترنة بالدعم الخارجي. مثلاً، لو كانت الولايات المتحدة وفرنسا ضغطتا كي ينسحب السوريون، وبقي اللبنانيون في منازلهم، لكان في إمكان نظام الأسد مقاومة الضغوط الخارجية. ولو أن واشنطن وباريس تجاهلتا خروج اللبنانيين إلى الشارع بأعداد هائلة، لسحَقَ النظام السوري التظاهرات بالقوّة. إن الجمع بين تجمهر اللبنانيين في الشوارع بأعداد هائلة واهتمام المجتمع الدولي، بقيادة البلدين، لم يعطِ السوريين خياراً قابلاً للتطبيق سوى الخروج. وكما في 2005، يمكن أن يساعد الاهتمام المتواصل اليوم من قِبَل الكونغرس والإدارة، ومجلس الأمن الدولي، على حماية المتظاهرين. لكن فيلتمان نوّه إلى أن التظاهرات لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، خصوصاً أن المواطنين العاديين منهكون من التكاليف الاقتصادية للشلل القائم في البلاد. لذلك، قد يُحدث الاهتمام الأميركي المستمرّ فرقاً، حيث يكافح اللبنانيون لتحديد كيفية تجاوز الاحتجاجات المحلية.
لن يكون من الحكمة التدخل مباشرةً في القرارات السياسية اللبنانية، والتي من شأنها أن تجعل من السهل على نصر الله (أو سوريا أو إيران أو روسيا) تشويه سمعة المتظاهرين ومطالبهم، بحسب فيلتمان. كما يجب ألا يُنظر إلى أن الولايات المتحدة تفرض اختيار رئيس وزراء لبنان المقبل أو وزراء معيّنين في الحكومة، فتلك قرارات لبنانية حصرية. و"بما أن مصالحنا الوطنية ومصالح حلفائنا الإقليميين ستتأثر بما يحدث في لبنان، فإننا نتحمّل مسؤولية توضيح وجهات نظرنا من خلال عملنا وبكلماتنا. يستحق اللبنانيون أن يفهموا تماماً الآثار المترتبة على القرارات التي يتخذونها في شأن التعيينات والسياسات الحكومية".
من هنا، فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون الإفراج سريعاً عن المساعدة العسكرية. هذا من شأنه أن يضع الولايات المتحدة إلى جانب المؤسسات الوطنية ذات المصداقية. وفي الوقت الذي تتجه فيه شعبية الجيش اللبناني إلى التصاعد مقارنة بتراجع سمعة حزب الله، يمكن واشنطن تعزيز قوة الدفع الإيجابية هذه. كما من شأن إطلاق المساعدة أن يقوّض المحاولات المستمرة التي يقوم بها الحزب وإيران وسوريا وروسيا لجذب اللبنانيين إلى مداراتهم من خلال التشكيك في صدقية الولايات المتحدة. كذلك، يمكن الأخيرة أن تربط الإفراج عن المساعدات بإصرار على أن تبقى القوات المسلحة اللبنانية خارج السياسة، وأن تعامل المتظاهرين السلميين باحترام متساوٍ في جميع أنحاء البلاد. "أوصي أيضاً بأن يكون موقفنا واضحاً بأننا لا نريد أن نرى الانهيار المالي أو السياسي للبنان (خشية أن توفر الفوضى والحرب الأهلية المزيد من الفرص لإيران وسوريا وروسيا للتدخل)، لكن قدرتنا على التدخل وحشد الدعم المالي والاقتصادي تعتمد على قرارات اللبنانيين أنفسهم، بما في ذلك تشكيل الحكومة المقبلة وسياساتها". وأكد فيلتمان استعداد بلاده للوقوف إلى جانب لبنان، شرط أن "يمضي اللبنانيون قدماً". وإذا عالجت الحكومة اللبنانية مسائل الحكم والمساءلة، فيمكن المجتمع الدولي الاستجابة؛ أما إذا عادت الحكومة إلى "العمل كالمعتاد"، فـ"لن نتمكّن من حشد الدعم لمنع الانهيار. وفي ظل دعوة المتظاهرين إلى حكومة تكنوقراطية وليس حكومة سياسية، يمكن أن تؤكد رسالتنا العامة على توقعاتنا بأن حكومة لبنانية جديدة، إذا طلبت الدعم الدولي، ينبغي أن تعالج بشكل فعال وفوري تطلعات الإصلاح للشعب اللبناني".
ينصح فيلتمان اللبنانيين الذين عاشوا لفترة طويلة بالرضا مع تناقض الهوية الذاتية مع الغرب "أثناء إيوائهم لشركة فرعية إرهابية إيرانية"، إلى فهم الآثار المترتّبة على المسار الذي يختارونه. في الأزمات المالية السابقة، حوّلت دول الخليج العربية ودائعها بالعملات الأجنبية إلى المصرف المركزي اللبناني بشكل موقت لدعم الاحتياطيات. "هذا يمكن أن يتكرّر". إذ يمكن الولايات المتحدة، كما يؤكد فيلتمان، إلى فرنسا وغيرها من الدول، قيادة التواصل مع المؤسسات المالية الدولية في ما يتعلّق بدعم لبنان. ومع وجود الأشخاص المناسبين والسياسات المناسبة، قد تنفّذ حكومة لبنانية جديدة في النهاية الإصلاحات التي قد تؤدي إلى إطلاق حزمة مساعدات بقيمة 11 مليار دولار تم الاتفاق عليها في مؤتمر "سيدر". ومن شأن هذه التدابير أن توفر للمسؤولين اللبنانيين فترة راحة قصيرة، ولكن بالنظر إلى الماضي، فإن العبء يقع على كاهل المسؤولين اللبنانيين للتغلب على الشكوك المحلية والدولية، من خلال اختيار وجوه وسياسات ذات مصداقية لمجلس الوزراء المقبل. وسيؤدي استمرار المحسوبية والفساد وتدليل "حزب الله" إلى الهبوط المتواصل، في حين أن الإصلاح والمساءلة والشفافية والاعتماد على المؤسسات الوطنية بدلاً من الحزب، يمكن أن يجتذب نوع الدعم الذي يؤدي إلى وجهة أفضل، حيث تقدم الولايات المتحدة وغيرها الدعم والشراكة.
صحيفة اللواء :
تدويل الحَراك اللبناني: واشنطن لحكومة تَستبعِد حزب الله وتَستقدِم المساعدات الفورية الحريري يحصر المشكلة بباسيل ويشدِّد على درء الفتنة.. والإدعاء المالي يحيل 3 وزراء إتصالات إلى المحاكمة
بقيت خضة الملابسات التي احدثتها الجلسة التشريعية التي كانت مقررة الثلاثاء الماضي، وارجأها الرئيس نبيه برّي إلى أجل غير مسمى، في واجهة النقاشات الدائرة، مع تأكيد مختلف الأطراف السياسية على استمرار الاتصالات، وافساح المجال امام جهود مباشرة أو بالواسطة لإعادة وصل ما انقطع على جهة تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، حيث يتوقع مطلعون على الأجواء الرئاسية، ان يتزامن مع خطاب الرئيس ميشال عون لمناسبة عيد الاستقلال مساء اليوم.
وإذا كان مصدر مطلع ربط بين اللقاء الرئاسي الثلاثي غداً على هامش احتفال قيادة الجيش اللبناني في اليرزة لمناسبة ذكرى الاستقلال، وتحديد موعد الاستشارات الملزمة، من زاوية الاتجاه لتشكيل حكومة من لون سياسي واحد.
علمت "اللواء" ان كلمة رئيس الجمهورية في ذكرى الاستقلال تتناول التطورات الراهنه والوضع الحكومي والمأمول من المرحلة المقبلة والحراك الشعبي لكن المصادر لم تؤكد ما اذا كان الرئيس عون سيطلق موعد الاستشارات النيابية الملزمة ام لا.
وفي مجال اخر اعتبرت مصادر سياسية ان كلام فيلتمان واضح في مراميه وهو يلتقي مع ما نقل عن اجتماع باريس بين شينكر وفارنو والمسؤول البريطاني.
وكان الرئيس سعد الحريري تحدث امام نواب كتلته خلال اجتماعها أمس، وقال: الاتصالات لم تنجح في تأليف حكومة تكنوقراط، وان الأمور تدور حول نفسها.
وأكّد انه ليس في وارد تأليف حكومة سياسية - تقنية كما يريدون.
واعرب عن تمنياته في ان تؤلف حكومة حتى ولو لم يكن هو مَنْ يترأسها.
وقال الحريري إنّه كان صريحاً منذ بداية الأزمة بأنه مستعد لترؤس حكومة إنقاذ تضم فقط وزراء إختصاصيين، وأضاف: قلت لهم أعطوني حكومة إختصاصيين فقط لمدة خمسة أو ستة أشهر، وبعدها شكلوا الحكومة التي تريدونها. سأركز في هذه الفترة الزمنية المحددة (حكومة الستة أشهر) على أمرين إثنين لا ثالث لهما:
أولا، محاولة تدارك الأزمة الإقتصادية والمالية والحد من نتائج أي إنهيار، ولذلك سأركب طائرتي وأجول العالم وأشحذ من أجل الحصول على مساعدات وقروض، مستفيدا من فرصة وجود حكومة تعطي الثقة للداخل والخارج.
ثانياً، إقرار قانون إنتخابي جديد يخرجنا من القانون الحالي، ويمكن أن يشكل إقتراح القانون المقدم من كتلة الرئيس نبيه بري الأساس للوصول إلى لبنان دائرة إنتخابية على أساس النسبية.
وكرّر الحريري أكثر من مرة أمام نواب كتلته بأنه ليس من الصنف الذي يستطيع أحد أن يملي عليه آراءه وخياراته، سواء من الداخل أم الخارج، غير أن الجميع يعلم أننا لا نستطيع المضي بالوضع الحالي، وأعطى مثالاً على ذلك العراقيل التي وضعها وزراء التيار الوطني الحر، في الحكومة المستقيلة والتي أدت إلى تأخير فرصة "سيدر" (أكثر من 11 مليار دولار)، وضعت بتصرف لبنان قبل 18 شهرا، ولم نتمكن من الإستفادة بقرش واحد منها، حتى الآن، بسبب المناكفات والنكايات والعراقيل، خصوصا في قطاع الكهرباء. وسأل الحريري "كيف يمكن أن ننقذ البلد بهذه الذهنية… وبآليات عمل تعرقل ولا تسهل"؟
وفي موضوع إختيار محمد الصفدي لرئاسة الحكومة، أوضح الحريري أن إقتراح الصفدي قدمه إليه جبران باسيل، بينما هو كان قدم لائحة من ثلاثة أسماء أبرزها القاضي نواف سلام (سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة) لكن الثنائي الشيعي رفض هذا الخيار، ولذلك عدنا إلى خيار الصفدي.
وشدد الحريري أمام نواب كتلته على أن المطلوب منّا أن "نعمل بأيدينا وأرجلنا لمنع أي صدام سني شيعي، فنحن لسنا هواة فتنة سنية شيعية". وقال مشاركون في الجلسة إن الحريري لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع إستقالة نواب كتلة المستقبل من المجلس النيابي، وقال إن مشكلته في الحكومة هي مع جبران باسيل وليست مع ميشال عون أبداً.
وعلى خط الاتصالات، استقبل الحريري وزير المال علي حسن خليل، ووزير الاشغال يوسف فنيانوس.
الأزمة.. دبلوماسياً
على الصعيد الدبلوماسي، يلتقي في موسكو ظهر اليوم مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان المسؤول في الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف للتباحث في الوضع اللبناني، ونقل رسالة من الحريري إلى القيادة الروسية.
وفي السياق الدبلوماسي، نقل عن مصدر دبلوماسي بأنه لا مصلحة لأحد في عدم استقرار لبنان، لا محلياً ولا دولياً، وتحدث عن عقد اجتماع دولي حول لبنان قد يحصل خلال أسابيع، ولكنه لن يكون مرتبطاً بتشكيل حكومة.
ودعت الأمم المتحدة، إلى سرعة تشكيل حكومة في لبنان تستجيب لتطلعات المحتجين، وتحظى بدعم البرلمان.
وحثت الأمم المتحدة قوات الأمن اللبنانية على حماية المتظاهرين السلميين وفق ما جاء في حساب مكتب منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط على "تويتر" نقلاً عن المنسق الأممي نيكولاي ملادينوف.
وأكد مسؤول في الخارجية الأميركية، أن مشاكل لبنان الاقتصادية "جدية" وتتطلب عناية فورية من قبل حكومة جديدة للبلاد، التي تشهد منذ نحو شهر تظاهرات مناهضة للطبقة السياسية.
ودعا المسؤول، في حديث لموقع "الحرة"، إلى تشكيل حكومة تلبي مطالب الشعب، لديها القدرة والإرادة السياسية لرسم اتجاه جديد مخصص للإصلاح ومحاربة الفساد.
وحول ما إذا كانت الولايات المتحدة تؤيد حكومة سياسية أو تكنوقراط، قال المسؤول الأميركي للحرة "إننا ندعو القادة السياسيين في لبنان إلى تسهيل تشكيل حكومة جديدة بشكل عاجل يمكنها بناء لبنان مستقر مزدهر وآمن يستجيب لاحتياجات مواطنيه. أما من الذي يجب أن يقود الحكومة ويخدم فيها فقرار يعود للشعب اللبناني".
لكنه استطرد قائلا إن "الولايات المتحدة تدعم تشكيل حكومة جديدة تتألف من أفراد يتمتعون بالمصداقية والقدرة ويمكنهم إجراء الإصلاحات اللازمة لإعادة البلد إلى مسار مستدام".
وعما إذا كانت الولايات المتحدة تعارض تشكيل حكومة جديدة تضم حزب الله، قال المصدر نفسه في الخارجية الأميركية "لقد أثبت حزب الله مرارا وتكرارا أنه مهتم بمصالحه الخاصة ومصالح رعاته الإيرانيين أكثر من اهتمامه بما هو مفيد للبنان".
وأشار إلى أن "الشعب اللبناني غاضب من فشل حكومته المستمر في دفع عجلة الإصلاحات التي يمكن أن تعالج القضايا التنظيمية والفساد".
وبشأن تقديم مساعدات اقتصادية أو مالية للبنان، قال المسؤول الأميركي إن "إصلاحات حقيقية وملموسة من قبل الحكومة اللبنانية يمكنها أن تساعد في إطلاق العنان للمساعدة الدولية للاقتصاد اللبناني في المستقبل".
وأشار إلى أنه لدى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مصلحة قوية في تسهيل نجاح هذه الإصلاحات، عندما يكون هناك حكومة جديدة قادرة وذات مصداقية يتعاونان معها.
وحول موعد استئناف المساعدات العسكرية الأميركية للبنان، ترك المسؤول الأميركي لمكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض الإجابة على هذا السؤال.
ولاحظ دبلوماسي لبناني ان الكلام الأميركي يجدد المعلومات عن فيتو أميركي على مشاركة حزب الله في الحكومة.
وكان السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان قدم أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي المتفرعة من لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي رؤيته للاحتجاجات في لبنان ، سائلا "ماذا بعد بالنسبة الى لبنان؟". وركز في مطلع مداخلته على انه "يمثل نفسه فقط". ورأى أن الاحتجاجات لا تتعلق بالولايات المتحدة، لكن نتائجها قد تؤثر على المصالح الأميركية إيجابا أو سلبا.
واشار الى "الطبيعة المتعدّدة الطوائف للتظاهرات التي اندلعت في 17 تشرين الاول. فالسنّة والمسيحيون والشيعة والدروز جميعهم في الشوارع، ويصفون أنفسهم بأنهم لبنانيون أولاً بدلاً من التركيز على هويتهم الطائفية. تفوق أهمية هذه الاحتجاجات أهمية الحركة التي بدأت في 14 آذار 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، لأن الشيعة انضموا هذه المرة الى الحراك".
اضاف:"على النقيض من ذلك، فإن سمعة القوات المسلحة اللبنانية التي تمكنت إلى حد بعيد من الابتعاد عن السياسة، تحسنت. قام الجيش اللبناني بحماية المتظاهرين في بيروت ضد بلطجية حزب الله وأمل، وعملت القوات المسلحة اللبنانية وجازفت من دون أي توجيه سياسي متماسك - أو غطاء - من القيادة السياسية وفي ظل تهديدات مستترة من حزب الله لإزالة الاحتجاجات".
وبالنسبة للوضع الاقتصادي اعتبر أن "أزمة مالية تلوح في الأفق. ولبنان يترنح منذ فترة طويلة على شفا كارثة مالية. يمكن خصخصة أصول الدولة - الاتصالات والكهرباء - أن تنتج إيرادات، إذا أمكن الوثوق بخطط الخصخصة، وكذلك تحسين الخدمات على المدى الطويل. لكن النجاح في جذب المستثمرين الغربيين ودول مجلس التعاون الخليجي سيظل بعيد المنال من دون تغييرات كبيرة".
وفي السياق الحكومي قالت مصادر نيابية ان الرئيس نبيه بري يسعى بثقله للمساهمة في ايجاد المخارج للأزمة، انطلاقا من مؤشرات خارجية مقلقة لديه، كما اشار نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي زار عين التينة، وقال بعد اللقاء: ما يجري في البلاد لا يجب ان يصرف النظر ويحجب الرؤياةعن مذكرة مثلاً وقعت بالامس من 35 نائباً من مجلس النواب الاميركي تطالب فيها الامم المتحدة التدخل لتنفيذ القرار 1701 حماية لأمن اسرائيل من مخاطر محتملة من حزب الله على اسرائيل لذلك يجب ان لا ننسى ان هذا الوطن هو في قلب الصراع العربي الإسرائيلي. وان الاستهدافات هي من كل حدب وصوب وهكذا رسائل اعتقد انها لن تقف إلا حجر عثرة وعقبة امام تشكيل الحكومات.
وقد غاب الفرزلي عن السمع بعد لقاء بري، وعلمت "اللواء" بعد اتصال به، انه انهمك في عقد لقاءات بعيدة عن الاضواء، في ظل معلومات تفيد انه ربما يقوم بمسعى في اطار الملف الحكومي بتكليف من بري.
وتحدثت المعلومات ان الاتصالات الجارية حالياً بين الاطراف تتركز حول مجموعة من الاسماء التي يمكن ان تكون مقبولة من سائر الاطراف المعنيين بتشكيل الحكومة لتكليفه تشكيل الحكومة، الى جانب الاتصالات حول تسهيل التأليف.علما ان ثنائي "امل وحزب الله" لا يزالان متمسكين بتكليف الحريري لتشكيل حكومة تكنو- سياسية.
ورأى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ان "العهد انتهى في الشارع وكذلك الطائف".
ونصح في حديث تلفزيوني رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بأن لا يشارك في الحكومة المقبلة. وقال: "نصحته بذلك أكثر من مرة بذلك لكن يبدو ان كلامي لم يلق صدى"، مشددا على انه "لا بد من التغيير ولو كنت مكانه لا اشارك بل أقف متفرجا".
وأوضح ان "مشاركتنا في الحكومة العتيدة سيكون لها المزيد من الأثر السلبي على الحزب التقدمي الاشتراكي وأخذنا قراراً ببدء تحسين البيت الداخلي، وبعد عقود من المشاركة في الحكم أُصبنا في الاهتراء والهمّ اليوم داخلي ولا بد من طرق جديدة للتواصل مع الناس وهذا ما أثبته الثورة". وقال: "لا علاقة لي بحسابات حزب القوات، وان تطلّب ان تكون من لون واحد فلتكن ولتقم بالمطلوب".
ومن تداعيات قطوع الثلاثاء، ما أعلنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار، من انه نظر بعين الريبة عندما رأى ضباطاً وجنوداً يتفرجون على نواب الأمة، وهم يهانون، ونسأل عن وعد قائد الجيش حول حرصه على حماية التنقل كما حماية المتظاهرين.
رئيس جمعية المصارف
مصرفياً، ربط رئيس جمعية المصارف سليم صفير حل الأوضاع الصعبة التي تواجهها المصارف بالاستقرار السياسي، متسائلاً: كيف يُمكن لخفض القيمة ان يحل الموقف، وهو يحتاج إلى قرار في مجلسي الوزراء والنواب.
واستبعد صفير خفض قيمة الودائع المصرفية، وهو ما اقترحه بعض المراقبين في القطاع المالي، باعتباره ضرباً من "الجنون" لأن ذلك سيلحق ضرراً شديداً بمستقبل الاستقرار في بلد يعتمد على تدفقات الأموال.
وقال إنه نما إلى عمله ان المودعين سحبوا بالفعل ما يقدر بثلاثة مليارات دولار أو أكثر ووضعوها في منازلهم خلال الأشهر الستة الأخيرة.
وأضاف ان طلب مصرف لبنان المركزي من البنوك زيادة رأس المال نحو عشرة بالمئة بنهاية العام غير واقعي ايضا ما لم تتشكل حكومة جديدة ويظهر مناخ أكثر إيجابية. وقال: "إذا بقي الوضع على ما هو عليه، فلن يكون واقعياً".
وقال صفير: "من منظور الموقف السياسي، نحتاج حاجزاً ما لحماية النظام نفسه إلى ان يعود الوضع لطبيعته".
وتابع: "الجانب الإيجابي لتلك القيود انها ستحفز السياسيين لاتخاذ قرار حكيم والتوصل إلى تسوية سياسية تُرضي (النّاس في) الشارع.. وستخفف ايضا الضغوط المتعلقة بسحب الودائع ووضعها في المنازل".
وأكّد صفير ان لدى البنوك سيولة وفيرة لكن "موجة عدم التيقن عارمة". وأضاف "لم أر قط كل هؤلاء النّاس في بنوكنا الذين نراهم في الفترة الأخيرة".
وقال صفير: "لا اعرف كيف يُمكن لخفض القيمة ان يحل الموقف. حل الموقف يتطلب الاستقرار السياسي"، مضيفا ان مثل هذا القرار يحتاج ان تتخذه حكومة ويقره البرلمان.
وتابع: "سيرعب الجميع. المقيمون في الخارج- مواطنونا لديهم أموال كثيرة في الخارج. هذه الأموال لن ترجع ابدا إذا كان هناك خفض قيمة".
ويقول صفير انه في حين فتح البنك المركزي "خزائنه" لتقديم العون في حالة شح السيولة، فإن "فائدة 20 بالمئة تحول دون الاستفادة من هذا الوضع".
الادعاء على 3 وزراء
قضائياً، قد يواجه وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال جمال الجراح ووزيران سابقان للاتصالات المحاكمة في قضايا إهدار المال العام بعد إحالة قضاياهم إلى لجنة قضائية خاصة شكلت لمحاكمة كبار المسؤولين.
وذكرت مصادر قضائية ان قرار النائب العام المالي إحالة القضايا إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء جاء في أعقاب احتجاجات اججتها اتهامات بالفساد.
ووصف الجراح تلك الإجراءات بأنها "جزء من الحملة السياسية..بقصد الإساءة والتشهير" به. وقال ان النائب العام المالي ليس مخولا قانونا باحالة القضية إلى المجلس، وهو تحرك قال انه يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
ورفض التعليق على أسئلة "رويترز" لحين حصوله على مزيد من المعلومات بشأن الاتهامات.
على صعيد المعاناة من جراء نقص السيولة في تأمين الرواتب، نفذ العاملون في وزارة الشؤون الاجتماعية ضمن مشروع الاستجابة للأزمة السورية وقفة احتجاجية امام الوزارة للمرة الثانية للمطالبة بتوقيع المدير العام للوزارة القاضي عبد الله أحمد علي الإحالة بصرف رواتب العام 2019.
ولفت المحتجون، إلى ان مشروعهم "ممول من الجهات المانحة وقد تأمنت، والوزير وقع العقود الا ان المشكلة تحتاج إلى توقيع المعنيين في الوزارة على معاملة الصرف".
صحيفة الديار :
نحن جماعة هي الأقوى ولها تاريخ مثالي فلماذا نستحي بهذا التاريخ ولا نزال أقوياء؟ ماذا حصل فخامة الرئيس كي تنفجر هذه المظاهرات ويقدم الحريري استقالته بعد كل الجهود؟ حاكم مصرف لبنان سيحافظ على المصارف والليرة ولكن اين القيادات السياسية ومسؤوليتها؟
عند الساعة الرابعة من يوم الثلاثاء في 29 تشرين الأول 2019 بالتوقيت المحلي لمدينة بيروت عاصمة لبنان، اعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري من بيت الوسط انه ذاهب الى قصر بعبدا لتقديم استقالة الحكومة الى فخامة رئيس الجمهورية الرئيس العماد ميشال عون استجابة للشعب اللبناني بعد احتجاجات استمرت 13 يوما قبل ان يتقدم الرئيس الحريري باستقالته.
سبق اعلان الرئيس الحريري استقالته احداث خطرة في ساحات الاحتجاج بعد اصطدام جمهور موال لحزب الله مع محتجين لم يتم تحديد هوياتهم السياسية بوضوح، واعلن حزب الله رفضه للاحتجاجات بهذا الشكل ولاستقالة الحكومة وطالب المحتجين بالتوقف.
وفي اليوم الثاني، يوم الثلاثاء، حصلت احداث عنف بعد ان حاول موالون لحزب الله وحركة امل الشيعية فضّ الاعتصام بالقوة وإزالة معسكر احتجاج في وسط بيروت، واضرموا النار في خيام المتظاهرين، كما تمت إقامة مهاجمة حاجز أقامه المحتجون على الطريق.
اتسعت رقعة الاشتباكات بين المحتجين ضد الحكومة وعناصر حزب الله وحركة امل، وتدخلت قوات شرطة مكافحة الشغب واطلقت قنابل غاز لتفريقهم، ولم يترك المتظاهرون مناطق الاحتجاجات وتمسكوا بمواقعهم وسط بيروت.
وبعد أقل من ساعة من الهجوم، عمت الفرحة مناطق المظاهرات بعد إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته التي استقبلها المتظاهرون بالتصفيق والتهليل.
وقالت متظاهرة من بيروت لوكالة فرانس برس: "هذه الاستقالة مرحب بها لكنها ليست كافية... نريد تغيير النظام بأكمله وسنبقى في الشوارع حتى تتم تلبية جميع مطالبنا".
كيف وصلت الأوضاع إلى هذه النقطة؟
تفجر الغضب الشديد من الفساد، وحكومة لا تؤدي عملها وجاءت معالجتها للأزمة الاقتصادية كارثية عندما أعلنت في 17 تشرين الأول اعتزامها فرض ضريبة جديدة على المكالمات التي تتم عبر بروتوكول نقل الصوت عبر الإنترنت (Voip)، وتستخدمه تطبيقات مثل (WhatsApp) و(Facebook Messenger) وأبل (FaceTime).
تراجعت الحكومة في غضون ساعات عن القرار، لكن الاحتجاجات سرعان ما بدأت وانتشرت بسرعة.
كما قال أحد المتظاهرين: "نحن لسنا هنا من أجل واتس أب، نحن هنا من أجل كل شيء: من أجل الوقود والطعام والخبز، وكل شيء".
في الأسبوع الماضي، وافق الرئيس سعد الحريري وائتلافه الحكومي، بما في ذلك حزب الله، على خطة للإصلاحات لمحاولة استرضاء المتظاهرين، الذين استمروا في الاحتجاج.
يوم الجمعة خرج امين حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله متحدثا إلى اللبنانيين، محذرا من أن "هناك من يحاول جر (لبنان)... نحو حرب أهلية"، ممـا يوحي بأنه يرى أن الاحتجاجات تم تمويلـها مــن قبل قوى أجنبية، وهدد بسياسة أكثر صرامة تجاه المحتجين.
وعن إمكانية استقالة الرئيس سعد الحريري، قال حزب الله إن ذلك قد يؤدي إلى فراغ في الحكومة اللبنانية.
اليوم ذكرى 76 لاستقلال لبنان، فما هو المستقبل للبنان؟
من واشنطن يقولون ان سنة 2019 هي البداية وان الولايات المتحدة ليست هي من حرّكت الاحتجاجات الشعبية في لبنان، لكنها لا ترضى بالواقع الحالي في لبنان وبحكومة ائتلافية يسيطر عليها حزب الله الذي هو حزب "متغطرس" سواء بالنسبة لتأليف الحكومة اتم بالنسبة للسيطرة على الدولة والجيش اللبناني، وان حزب الله وحركة امل وتيار رئيس الجمهورية ميشال عون هم ضد الشعب اللبناني باتجاهه الفعلي ويسيطرون بالقوة على الشعب اللبناني، ولذلك بعد فترة الركود الاقتصادي في بيروت فإن الشعب انتفض ضد هذا المحور الذي لا يريده ان يحكم لبنان، والولايات المتحدة تعتبر ان ما حصل في بداية 2019 هو بداية الانطلاق.
تقول المعلومات من واشنطن ان ضباط الجيش اللبناني لديهم استياء كبير وان لا شيء يمنع في المستقبل ان يظهر اكثر واكثر ان ضباطاً في الجيش اللبناني سيسعون الى ابداء استيائهم اكثر واكثر من سيطرة حزب الله على القوات المسلحة اللبنانية، وواشنطن اذا أوقفت الدعم المستمر القوي لتسليح الجيش فانها ستقوم بتسليحه لاحقا، لكن الان يجب ان تمر مرحلة شعبية قبل الوصول الى هذه النقطة، وتصل الى نقطة اعلى.
ان روسيا موجــودة في لبــنان وان روســيا التـي استطاعت منذ عام 1990 حتى 2019 الانتقال من الدولة رقم 3 في العالم وتراجعها استطاعت من دون حروب داخلية الوصول الى المرتبة الثانية ومنافسة حتى الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، وهي تتابع الوضع المتأرجح في لبنان منذ فترة طويلة حيث لبنان هو على حدود كارثة مالية كبيرة.
والولايات المتحدة لن تسمح بحل المشكلة الاقتصادية الحقيقية في الاقتصاد اللبناني وبخاصة استمرار الركود الاقتصادي المستمر لان المستفيد الأول منه هو حزب الله وايران التي تستفيد من كل بقعة تقع فيها مشاكل وتقوم ايران مع سوريا ومع حزب الله باستغلال هذه النقاط لإقامة مناطق نفوذهم والسيطرة على هذه المناطق.
وقال ان واشنطن أبلغت المستثمرين ودول السياحة بأن لا يعودوا بأعداد كبيرة او متوسطة الى لبنان لان واشنطن لم تحصل على الضمانة بأن حزب الله لن يجلب الحرب على لبنان مرة أخرى ضد إسرائيل دون ان يـأخذ حزب الله في عين الاعتبار الرأي العام اللبناني او الاقلية وهذه الحكومة يسيطر عليها حزب الله خاصة بوجود رئيس الجمهورية ميشال عون انما حزب الله هو الأقوى مع حلفائه.
بريطانيا وفرنسا ليسوا من رأي واشنطن وهم يريدون الحفاظ على الامن في لبنان ولا يعتبرون ان روسيا التي تنظر الى لبنان وتعتبره نقطة استراتيجية كبرى لها وللصين وللاتحاد الأوروبي حيث ان الرئيس الروسي بوتين يسعى لاقامة تحالف بين الاتحاد الأوروبي والتحالف الاسيوي الاقتصادي وروسيا في وجه حزب الناتو واحدى محطات الصراع هي تركيا حيث تضع الولايات المتحدة ثقلها للسيطرة على تركيا لكنها لا تستطيع، وقد استطاعت إرضاء تركيا بإعطائها الضوء الأخضر للتصرف في سوريا كما تريد ولكن تحت انظار الولايات المتحدة والخطة العسكرية الأميركية، كما اعادت الولايات المتحدة قوات لها الى قلب سوريا.
وفي الوقت ذاته، فان الولايات المتحدة التي تسيطر على دول الخليج العربي كاملة هي على خلاف مع فرنسا وبريطانيا وجزء كبير من الاتحاد الأوروبي أولا، لان الاتحاد الأوروبي لم يعد يريد ان يشتري أسلحة من اميركا التي تضعه في خوف من روسيا وقد قامت بصنع أسلحة لا تحتاج فيها الأسلحة الأميركية، كما ان روسيا تحاول الدخول على الخط لبيع طائرات مثل سوخوي 35 وقد استطاعت تقاسم النفوذ داخل تركيا بينها وبين اميركا، لكن تركيا يهمها السيطرة على سوريا وعلى جزء كبير من العراق وأميركا أعطت الضوء الأخضر لتركيا في هذا المجال.
كما ان اميركا تعتبر انه اذا انطلق الوضع الاقتصادي في لبنان الى درجة ممتازة، فإن صفقة القرن ستسقط وان المستفيد الأول هو حزب الله، لذلك يجب خنق حزب الله في المصارف والاقتصاد اللبناني وعدم انتعاشه وان مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة قام بدوره في ضبط الأمور المصرفية لكنه لم يدخل انفاق المصارف لخنق حزب الله وخنق خلاياه داخل الانفاق انما مخابرات الولايات المتحدة تتابع كل شيء داخل المصارف لان مصرف لبنان ليس لديه جهاز امني يعرف أمورا داخل المصارف، لكن المخابرات الأميركية لديها عملاء مهمون في المصارف يعطونها معلومات عن حركة الحزب في المصارف لخنقهم واستفادت كثيرا في التحقيق مع التاجر تاج الدين الذي اعطى معلومات هامة عن حزب الله، لكن مصرف لبنان كان بامكانه خنق حزب الله أكثر بكثير، لكنه ما زال يعمل وفق القوانين اللبنانية والقوانين المصرفية.
ماكرون اتصل عدة مرات بإيران وبدول عربية أوصلت رسائل الى الرئيس بشار الأسد ان عليه ترتيب وضعه الداخلي وانهاء الحرب في سوريا وان عليه وضع دستور جديد في سوريا لتنتهي الحرب نهائيا وان أوروبا من فرنسا الى المانيا ودول أخرى تريد مساعدة سوريا على استعادة السلام فيها لان ذلك سيؤدي الى جزيرة سلمية تمتد من سوريا الى لبنان وبعدها الى العراق وتوقف الخطة الأميركية التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي خطراً كبيراً في تأجيج الصراع في المنطقة واخر تأجيج ما تقوم به الولايات المتحدة ضد ايران ولم يحصل مثله في التاريخ الا في الحرب العالمية الثانية.
فرنسا ترفض خطة اميركا بالنسبة للبنان وترفض ان تعتبر ان عام 2019 هو نقطة التحول، وان ضباطاً من الجيش اللبناني سينتفضون ضد حزب الله وضد الحكم القائم فيه وان رئيس الجمهورية غير قوي شعبيا منذ مرحلة سنة واكثر وان حزبه تراجع، وان لبنان في سنة 2020 سيشهد تطورات اكثر واكثر باتجاه تخفيف ضغط حزب الله على السيطرة على الدولة اللبنانية والاهم هو منع تواصل لبنان مع سوريا كما تريد الحكومة، ولذلك فإن وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو بحث مع الحريري عندما اجتمع به في واشنطن بعدم إقامة أي علاقة مع سوريا ووافق الحريري لكنه قال ان المؤسسات الحكومية اللبنانية لا يمكن قطع علاقاتها مع المؤسسات الحكومية السورية، اما هو كرئيس حكومة فيمكن ان ينقطع عن زيارة سوريا.
روسيا تراقب الوضع
روسيا تتابع الوضع، ويقول احد المقربين من الرئيس بوتين ان الجماعات الإرهابية السنية التي استعملتها واشنطن في سوريا والعراق وحتى على لبنان لم تنجح واستطاعت روسيا ضرب هذه القوى التكفيرية الإرهابية السنية وإفشال المخطط الأميركي الذي بدأ منذ ان احتلت اميركا العراق سنة 2003 وانشأت حروباً أهلية في سوريا واليمن وتعاونت مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى الى ان حذرت موسكو بشكل جدي السعودية من أن وضع نظامها يمكن ان يكون قوياً بدعم أميركي، لكن أوروبا لن تدعم السعودية في الحروب التي قادتها في العراق وفي سوريا وخاصة اقتراب الولايات المتحدة من دعم القوى الإرهابية بالتنسيق مع السعودية والأردن من حدود لبنان واشعال حروب داخل لبنان بواسطة القوى الإرهابية السنية. لذلك نحن في روسيا وبأمر من الرئيس بوتين اخذنا قرارا جذريا بإنهاء وتصفية القوى السنية الإرهابية المتطرفة في سوريا وانهينا القوى المتطرفة السنية التكفيرية التي جلبتها الولايات المتحدة مع السعودية وتركيا وضربناها في العراق ولن نتعاون مع ايران مع ان ايران ساهمت في ضرب القوى التكفيرية، لكن نحن لا نريد ان نقيم علاقات مع ايران لانها تستغل هذه المناطق والحروب ولا نرغب في ان يزداد النفوذ الإيراني في المنطقة واتفقنا عليه مع دول الخليج العربي، لكن دول الخليج العربي غارقة في أحضان الولايات المتحدة.
على كل حال، روسيا نبهت السعودية الى ان عليها التوقف من الانجراف في المخطط الأميركي وان هذا الامر سيسبب لها مشاكل مع كامل دول الجوار التي هي حول السعودية دون ان تدعم روسيا ايران، لكن ستحصل مشاكل مع ايران وستحصل مشاكل مع سوريا وستحصل مشاكل مع الأردن وستحصل مشاكل خاصة مع العراق وروسيا تنتظر شبه حروب بين العراق والسعودية، وروسيا لن تقف ضد أي معارك تقع من قبل العراق ضد السعودية، وهنا سيكون على الولايات المتحدة الاختيار بين دعم السعودية بشكل كامل وضرب العراق لمصلحة السعودية، واذا فعلت ذلك فإنها ستخسر العراق كليا والعراق يملك ثروة توازي ثروة السعودية من النفط والغاز وموقف استراتيجي هام جداً، وستكون مناسبة للعراقيين للانتقام من الاميركيين، وستحصل فيه ثورة شعبية تنهي الوجود الأميركي، خاصة ان روسيا ستدعم العراق عسكريا بالطائرت والدبابات والمدفعية وان ايران ستدخل على الخط، فهل تصل الولايات المتحدة الى حد اشعال حرباً تصبح حرب شبه عالمية؟
واشنطن غير راضية!
اما بالنسبة للبنان، فإن واشنطن غير راضية على الوضع، ذلك انها ترى ان الرئيس بشار الأسد عاد يتصرف كديكتاتور في سوريا واصبح قويا وتدعمه روسيا ومنعت تركيا من اجتياح الأراضي السورية، إضافة الى ان له رغبة في ان يكون له النفوذ الكبير في لبنان لكن بشكل غير مباشر دون جيش لإزالة ما أصاب سوريا من اذلال عندما اضطرت للانسحاب من لبنان عام 2005 اثر مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو اذلال برأي واشنطن لم يكن ليحصل لولا ضغط الرئيس جورج بوش الأميركي بقوة والقمعي لازاحة سوريا من لبنان بأقصى سرعة من أراضيه.
ان واشنطن لن ترضى بأن تنطلق مظاهرات وردود فعل من جانب زعماء ومؤسسات لبنانية يتزامن حسن حظها مع سياسة الرئيس الأميركي ترامب الذي يدعم إسرائيل إلى أقصى حد سواء بالنسبة للقدس عاصمتها ام بالنسبة لاعترافه بالجولان ارضاً إسرائيلية ام بالنسبة للمستعمرات، ام بالنسبة للتحضير لصفقة القرن، فيما حزب الله يتصرف كأنه الحزب الذي لا يقهر وانه الحزب النظيف وانه الحزب الشفاف بين القوى السياسية اللبنانية وهذا مناهض لسياستها في دعم الاحزاب الأخرى على الساحة اللبنانية.
ولقد استطاعت خطابات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله زرع أفكار كثيرة قوضت وضربت أفكار الفئة المضادة لحزب الله وللجهات المعادية لاميركا ولاسرائيل وللسعودية خاصة، وتركيز خطاباته مستمرة لنصرالله على السعودية والخليج وخاصة اميركا وتحريضه على إسرائيل جعل الرأي العام اللبناني الذي كان سنة 2005 قد انقلب ضد حزب الله يعود ويستوعبه حزب الله ويسيطر على الحكومة وهنا حصل الخلاف الأميركي - الفرنسي، فواشنطن قالت لفرنسا يجب ان تتدخل مع طهران كي يخفف حزب الله نشاطه في لبنان وقامت فرنسا بالاتصال بطهران وتجاوب حزب الله ولم يقم بأي عمل عنفي او عسكري سواء اثناء تأليف الحكومة وأزمتها وعدم تأليفها بسهولة ام اثناء المظاهرات.
لكن المطلوب وفق واشنطن تحجيم قدرته عن انهاء المظاهرات وقدرته على إزاحة أي قوة شعبية تقف في وجهه خصوصاً إذا قامت فئة من ضباط الجيش وأبدت استياءها من حزب الله، لذلك فإن واشنطن ستعمل على الضغط على الدولة اللبنانية بشكل قوي حتى وضع الجدولة اللبنانية تحت خيار إما منع المتظاهرين الشيعة من النزول الى الشارع وعودة المتظاهرين الشيعة الى بيوتهم وإما أن تضغط أميركا على الدولة حتى إسقاط لبنان بشكل يصبح ضعيفاً وتحت إشراف البنك الدولي والمؤسسات الدولية وشبه مفلس.
الحكم غارق في الفساد
إنما الذي يساعدنا هو أن حكم الرئيس ميشال عون وتياره وجماعته، كذلك جماعة حزب الرئيس نبيه بري هم غارقون في الفساد، لكن حكم الرئيس عون غارق في الفساد بشكل كبير وخاصة صهره وزير الخارجية الذي ينظر اليه الشعب اللبناني على انه جنى ثروة كبرى، وهذا يضعف الحكم الذي يصر حزب الله على ان يبقى الرئيس عون في مركزه حتى نهاية عهده وان لا تجري انتخابات مبكرة في حين ان المظاهرات التي انطلقت ستستمر في سنة 2020 في حال استمرار الفساد والركود الاقتصادي وعندئذ ستدعم الولايات المتحدة التظاهرات الشعبية مباشرة وليس كما فعلت في المظاهرات الأخيرة، واذا قام لبنان بضرب المتظاهرين فإن لبنان ستفرض عليه عقوبات لن يستطيع الوقوف بعدها لأن سوريا دولة ضعيفة اقتصاديا والسعودية لا تعطي لبنان أي مساعدة وأوروبا غير قادرة على مساعدة لبنان اقتصاديا وستمنعها اميركا من ذلك وسيشعر لبنان انه في ظل حكم يرأسه عون لكن كل شيء فاسد والاقتصاد فيه ركود ولا إنجازات لا مشاريع ويتم تعطيل المؤتمر سيدر 1 ولا تصل القروض الى لبنان وعندئذ سيصبح حزب الله في وضع اقتصادي ومالي سيئ جداً، ويكون امام فرصة اما التصرف خارج اطار القانون ليحصل على المال وعندئذ سيحصل كره من الشعب اللبناني لحزب الله او القبول بالامر الواقع يعني ان الولايات المتحدة ستمنع أي قرش يأتي من ايران كما انها ستعمل على منع وصول أي مساعدة من العراق الى حزب الله، ولذلك سيجد حزب الله وضعه صعباً في وجه سياسي من هذا النوع وفي ظل غياب حكومي، وان الحريري استقال نتيجة سياسة الرئيس ميشال عون معه وخاصة أن الولايات المتحدة سألته عدة مرات ما هو دورك مع الرئيس عون، وما هو دورك مع وزير خارجيته، وهذا الدور أدته السعودية وما هو دورك ضمن الطائفة السنية وكثيرون سمعوا خطاب عون الذي قال لا يتحدث احد منكم عن أسباب شخصية مع الحريري لماذا قام بالاستقالة وهذا يعني ان الحريري محاط بفئة سنية سعودية - أميركية قالت له لقد أصبحت ضعيفاً ضمن طائفتك السنية وان باسيل هو من يقوم بإدارة الحكومة وان عون هو الذي يأمر البلاد وعندئذ اوصلوا الحريري الى الاستقالة بعد ان فقد شعبيته السنية واصبح الأضعف في كل المدن السنية في لبنان.
الحريري وحكومة التكنوقراط
وما ان استقال الحريري من رئاسة الحكومة وطالب بحكومة تكنوقراط حتى ارتفعت شعبيته السنية واستعاد شعبيته السنية في لبنان من شمال لبنان الى جنوبه الى كامل بيروت، وتم تحجيم دور وزير الخارجية جبران باسيل الذي هو المنسق الأساسي للقيام بدور رئيس الجمهورية ميشال عون مع سوريا تحت الطاولة وخاصة مباشرة مع حزب الله حيث يقيم الوزير باسيل اقوى علاقة مع حزب الله، وحزب الله هو الذي يدير باسيل، ولذلك فان أي حكومة يؤلفها في المستقبل الحريري لن يكون لباسيل دور هام فيها، وان سنة 2020 ستضع لبنان امام المحك الفعلي فإذا أراد عون الاستمرار فإنه سيذهب الى الهاوية، وان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فعل كل ما باستطاعته ونحن لن نعطيه اكثر من ذلك بل سنضغط عليه حتى يخرج من حاكمية مصرف لبنان ويأتون بحاكم للمصرف يكون قريباً من حزب الله وغيره وعندئذ يزول القطاع المصرفي الذي هو قطاع يستفيد منه حزب الله بقوة كبيرة وعندئذ ينقطع اخر دولار عن حزب الله وينهار حكم الرئيس ميشال عون.
ومن هنا لا يجب على الحريري ان يؤلف أي حكومة فيها قوة لحزب الله داخلها خاصة فرض وزراء مثل وزير نسبوه الى تجمع من وزراء معارضين سنة فرضوا منه وزيراً على الحكومة كما ازاحوا وزيراً للزعيم وليد جنبلاط وهو زعيم كبير وتحترمه الولايات المتحدة لكنه معتدل ويعرف حدود الأمور.
إضافة الى ذلك، فإنه في سنة 2020 فإن المظاهرات ستجري أكثر وأكثر من قبل الشعب اللبناني وخاصة في المناطق المسيحية التي ستكون فقيرة في ظل حكم الرئيس عون مع استمرار الركود الاقتصادي، وفي ظل هكذا مظاهرات ترفض الركود الاقتصادي والحكومة التي هي في ظل الرئيس ميشال عون وظل الوزير جبران باسيل صهره، فان هذه المظاهرات المسيحية من تيار عون ستصطدم بحزب الله الذي يرفض التظاهر ضد الحكومة وعندئذ اذا قام حزب الله بتأدية دور على قمع التظاهر فان العلاقة ستنقطع بين حزب الله والحركة المسيحية التي تؤيد رئيس الجمهورية ميشال عون وهذه القوة هي حزب مسيحي قوي.
كما انها ستلغي النظر الى حزب الله على انه حزب منفتح على كل الطوائف وان باسيل يساعده في انفتاح حزب الله على طوائف مسيحية وغيرها ويصبح حزباً شيعياً وخاصة حزب ايران تابعاً لولاية الفقيه، وبذلك يكون معزولا ضمن الشعب اللبناني والقشرة من الغطاء المسيحي الذي يؤمنه عون وباسيل لحزب الله تسقط، كذلك ستسقط تدريجيا الأداة الرئيسية لنفوذ حزب الله داخل المؤسسات الحكومية. كما ان حزب الله لن تكون له الحصة الشيعية الكبرى في النسب الطائفية اللبنانية.
وان واشنطن تعرف ان باسيل وخاصة رئيس الجمهورية وهي تتهمه بأنه هو من يحاول استغلال القلق الأميركي من حزب الله ليحصل من واشنطن على مطالبه، وانه هو من يزرع الخوف لدى واشنطن من ان حزب الله قادر على اجتياح كل لبنان وان الجيش لا يستطيع فعل شيء، لذلك على واشنطن ان تتفهم الظروف وان تدعم الرئيس عون، ولذلك تقول واشنطن ان هذه اللعبة قد انتهت وان واشنطن لم تعد يمر عليها لعبة عون في استغلال اشعال قلق لدى الولايات المتحدة سواء حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط لان حزب الله يحميهم او حول أن حزب الله هو حزب قادر على تغيير الوضع في لبنان فليحصل ما يحصل لان النقمة ستزداد سنة 2020 وان كلمة الرئيس ميشال عون للذين يريدون الحرية اكثر في لبنان من لا يعجبه الوضع يتمتع بحرية الهجرة اشعلت الشارع اللبناني، كما ان الرئيس عون قال بعض العبارات وهي لماذا لا تنظرون الى أسباب شخصية وقد يكون يريد ان يقول ان الحريري هبط وضعه السني والشخصي ولذلك استقال كي يستعيد شعبيته الشخصية السنية.
الجيش اللبناني والمتظاهرون
وقال لقد لاحظنا بوضوح ان وحدات من الجيش اللبناني قامت بحماية الاحتجاجات والمتظاهرين في بيروت ضد جمهور من حزب الله وحركة امل، بينما هنالك وحدات من الجيش في النبطية نظرت في الاتجاه الاخر وقمعت المتظاهرين، وعلى كل حال ان أداء قيادة الجيش كان رائعا بشكل عام، وحافظ على مركزه الجيش اللبناني دون ان يخضع لحزب الله ودون ان يصطدم معه ونحن لا نريد هذا الوضع ومع الوقت تتصاعد الأمور الى ان يصبح الجيش محترما من قبل كل اللبنانيين وعندئذ سنقوم بتسليحه اكثر واكثر.
وحزب الله ليس بمقدوره بعد سنة 2019 حيث تمت إقامة جدار بين لبنان وإسرائيل ان يقوم بأي حرب ضد إسرائيل لان هذه المرة اميركا لن تضع خطاً احمر للجيش الإسرائيلي اذا اشتعلت حرب بين حزب الله وإسرائيل ويمنعه من قصف مطارات لبنان وخاصة مطار بيروت ومرفأ بيروت وكل البنية التحتية في لبنان وان الضربة التي سيتلقاها لبنان في أي حرب قادمة ستؤدي الى ضرب البنية التحتية آملة في لبنان ومع إعطاء ضوء اميركي اخضر خصوصا اذا حصلت الحرب قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي ترامب.
الدور الأميركي في المنطقة
وعلى كل حال اذا انتهت ولاية الرئيس ترامب فإن الخطة العسكرية الأميركية لن تتغير وستبقى تدعم الجيش اللبناني وفي الوقت ذاته ستعطي إسرائيل الضوء الأحمر كما اعطتها الضوء الأحمر في القدس عاصمة لها وفي الجولان ارضاً لها وستعطيها اكثر بالتحالف مع دول عربية ستكون اقرب واقرب الى إسرائيل وستكون ضد حزب الله في لبنان وضد أي حكم لبناني يدعم حزب الله في لبنان وفي الوقت عينه تبقى تحاصر ايران لاضعافها وسنة 2020 ستشهد ايران مشاكل داخلية ومظاهرات كثيرة لان الحصار الأميركي لن يعطي نتاجه على صعيد الوضع المعيشي والغذائي والعملي والحيوي والاقتصادي في ايران الا في منتصف سنة 2020 وعندئذ يبدأ النظام الإيراني بالسقوط تدريجيا اقتصاديا.
وروسيا غير مستعدة لمواجهة اميركا في خرق تصدير النفط الإيراني وارسال ناقلات نفطها لاستلام النفط الإيراني ورغم العروض فإن بوتين ظل بعيدا عنه هذه الخطوة، لكن الخطر هو انه اذا رأى الرئيس بوتين ان تركيا انحازت الى جانبه مع انها تؤدي دوراً في زعزعة الوضع داخل ايران بصورة سرية لكن اذا شعر انه استطاع السيطرة على اردوغان وسقط في تركيا وجاء حزب اخر واستطاع إقامة علاقة قوية مع ايران بعد ان يوصل اليها سنة 2020 منظومة صواريخ اس 400 وطائرات سوخوي 35 فإنه قد يعطي الامر باستيراد النفط الإيراني من ايران حتى لو حصلت مواجهة مع الجيش الأميركي وعندئذ اميركا لن تقوم بحرب وتضرب أي بارجة او أي سفينة روسية لانها تعرف النتائج وهي ان الرئيس بوتين جدي وحاسم ومستعد للذهاب للحرب حتى النهاية لكن اميركا ليست مستعدة للحرب من اجل حصار ايران.
ان الولايات المتحدة مستعدة لارسال الاف الصواريخ المضادة للمدرعات والتحصينات ومستعدة لارسال دبابات ومدفعية وتدريب قوات خاصة بشكل كبير، لكن شرط ان تكون القوة الأساسية للجيش متمركزة في منطقة الجنوب قرب الحائط الذي يفصل لبنان وإسرائيل. اما اذا كان الجيش يريد توزيع السلاح الذي سترسل الولايات المتحدة فإنها لن ترسل هذه الأسلحة، وانما هي تريد ان يقوم الجيش اللبناني بدوره كما قام به في الماضي عندما استطاع تصفية منظمة سنية متطرفة هي فتح الإسلام أرسلتها سوريا الى مخيم نهر البارد وهي منظمة إرهابية مستوحاة من تنظيم القاعدة وقد دفع الجيش اللبناني 152 قتيلاً الى جانب مقتل 222 من ارهابيي فتح الإسلام، لكن بالنتيجة تم تدمير نهر البارد وكان يمكن ان تستعملهم سوريا لزرع قوى سنية متطرفة تشعل شمال لبنان بالإرهاب والمشاكل.
ونحن خطتنا في لبنان هي تجريد حزب الله من ترسانته الشعبية في الانتخابات النيابية القادمة لأننا نعرف اننا غير قادرين على تجريد حزب الله من سلاحه وصواريخه، لكن يمكن اغتنام الفرصة الانتخابية المقبلة لتجريد حزب الله من شركائه البرلمانيين ونوابه وكتلته النيابية وإعطاء مراكز شيعية الى حركة امل والى حركات شيعية تدعمها وتتصاعد مع الوقت ومن الان وحتى 3 سنوات تكون قد أصبحت قوة أساسية في جنوب لبنان وفي بقاع لبنان.
ان واشنطن تنظر الى ان لبنان كان يمكن ان يحصل فيه تغيير لو لبى قادة 14 اذار الثورة الشعبية التي نزلت الى الشارع، لكنهم كانوا جبناء وتركوهم وحدهم والولايات المتحدة لن تتدخل لكن في المستقبل قد تتدخل وتضغط بشكل كبير.
كما ان لعبة حزب الله في إعطاء الإشارة باتجاه نائب من عائلة الصفدي كي يكون رئيس حكومة ما هي الا لعبة لازاحة فكرة تكنوقراطية بحتة يكون بعيداً عنها خاصة تيار عون وحزب الله وحلفاؤه.
الحكومة ومستقبل المسيحيين في لبنان
وعلى كل حال، لن تتشكل حكومة يكون مسيطراً عليها حزب الله بل يكون شريكاً فيها وهذا الامر الى حد ما مقبول.
على كل حال قريبا سنفرج عن المساعدة العسكرية الى المؤسسات الوطنية اللبنانية وخاصة الجيش اللبناني الذي هو صاحب مصداقية، في الوقت الذي ترتفع فيه شعبية الجيش اللبناني في الاغلب الى الأعلى مقارنة مع تراجع نسبية شعبية حزب الله.
وأخيرا على المسيحيين في لبنان ان يختاروا في ان يكونوا برئاسة الرئيس ميشال عون حلفاء لحزب الله وايران وسوريا وإمكانية جذب روسيا الى حد ما لهم وعندئذ سينهار الوضع الاقتصادي في لبنان ويختار المسيحيون الهجرة من لبنان وعندئذ سيصاب المسيحيون بالفقر نتيجة الركود الاقتصادي وهذا سيؤدي الى بداية افتراق وابتعاد وخلاف بين الجمهوري المسيحي والجمهور الشيعي المؤيد لحزب الله لأن حزب الله اقام مؤسسات قادرة على مساعدة جمهوره معيشيا وإيجاد وظائف له وتأمين حياته السكنية عبر مشاريع سكن وعبر مشاريع عمل، اما الجمهور المسيحي المؤيد للرئيس عون فلم يحصل في عهد الرئيس عون على مشاريع معيشية وحياتية وسكنية وعندئذ سيحصل الفراق اكثر بين المسيحيين وجمهور حزب الله ولدى المسيحيين رغبة تاريخية بالهجرة ويتصادم التيار المسيحي مع التيار الشيعي المؤيد لحزب الله او ان يستعيدوا دورهم وتحجيم حزب الله الذي سيطر على لبنان اكثر من 25 سنة وعندئذ يكون لهم نفوذهم وتدعم الولايات المتحدة كل الشعب اللبناني وخاصة المسيحيون لانها ترى الوجود المسيحي هاماً في لبنان اما اذا استمر المسيحيون في حلفهم مع عون ومع حزب الله والعلاقة الجيدة مع سوريا فان الركود الاقتصادي سيؤدي الى الهجرة واكثر الفئات التي تهاجر هي المسيحية وهذا ما ظهر خلال الـ 40 سنة الماضية ولن تمر 10 سنوات الا ويكون المسيحيون قد هاجروا بأكثريتهم من لبنان.
صحيفة الجمهورية :
معركة "ليّ الأذرُع" الى التصعيد.. والحكومة مرهونة بـ"حلّ مفقود"
تبدو آفاق الحلول بعيدة، الحراك الشعبي بكل وجوهه ماضٍ في معركته ضد السلطة لتحقيق مطالب لا يجادل اثنان في احقيتها وصحتها، واما السلطة فعلى تخبّطها المتزايد منذ انطلاق التحرّك الشعبي ضدّها في 17 نشرين الاول الماضي، وبلغت التناقضات بين "شركاء الأمس" فيها، حداً ادنى من نقطة الصفر، يقارب نقطة اللاعودة.
صارت المعركة القائمة بوجهيها المطلبي والسياسي، اكثر من معركة ليّ اذرعة، بل انّ الوقائع المتسارعة في الشارع، وكذلك على الخطوط السياسية المتصادمة تشي بتوجّه كل اطراف الصدام الداخلي نحو محاولة فرض قواعد اشتباك جديدة، كلٌ بحسب ما يشتهي ويريد. الّا انّ هذه الوقائع افرزت بعد خمسة اسابيع من الحراك، حقيقة ان أمد هذه المعركة طويل، وليس في الامكان رسم صور ولو تقريبية لما ستؤول اليه.
الحراك
فالحراك الشعبي، الذي بدا في استراحة امس، وكما يعكس القائمون به، رسم لنفسه اولوية السير تصاعدياً والتركيز على مكامن ضعف السلطة، بعدما سجّل عليها مجموعة من النقاط في الشارع، وإرغامها في نهاية الامر على تغيير سلوكها الذي كان العامل الاساس في تفجّر الغضب الشعبي في 17 تشرين الاول، وعلى انتهاج سياسة نظيفة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، بديلة عن السياسة التي انتهجتها - بكل مكوناتها المستقيلة وغير المستقيلة وكل الشركاء فيها من دون استثناء - وكانت السبب في سلوك البلد هذا المستوى الانحداري على كل المستويات، وبات من الصعب جداً على اللبنانيين القبول بالانسياق مكرهين نحو هذا النفق، الذي يبدو انّ لا نهاية له.
وعلى ما يؤكّد القيّمون على هذا الحراك، انّهم وصلوا الى نقطة اللاعودة مع هذه السلطة، وباتوا امام خيار وحيد، وهو ان يلعبوا كل اوراقهم في وجهها، وفق ما تتطلبه ظروف المواجهة حتى تغيير الذهنية الحاكمة، وبالتأكيد ضمن الاطار السلمي.
السلطة: وجهان
امّا في المقابل، وبحسب الاجواء السائدة في ضفّة السلطة، فإنّ اولويتها في هذه المرحلة، هي ان تظهر في موقع الثابت او الصامد في وجه الأزمة، وان تعتمد سياسة الدفاع الهجومي ضد الحراك الشعبي، وهي ضمن هذه السياسة تلبس في وجه الحراك وجهين؛ الأول صدامي، عبر إلباس الحراك الشعبي طابعاً خارجياً وإلصاق تهمة العمالة للخارج بمعظم الحراك. او عبر تسخيفه الى حدّ اعتباره "مجموعة حراكات مبعثرة ومتفرقة، لكل منها أجندته الخاصة والمختلفة بعناوينها واسبابها واهدافها. وبالتالي لن تمتلك هذه الحراكات المتفرقة اي قدرة على احداث اي تغيير في الواقع القائم".
امّا الوجه الثاني، فهو حمائمي، انما بمضمون حاد وتشكيكي، يعتبر انّ الحراك المستمر منذ خمسة اسابيع، صار مزيجاً من غضب شعبي مشروع له مطالب مشروعة ومحقة، ومن الاعيب سياسية ركبت موجة المطالب المشروعة، وجعلتها سلعة في بازار السياسة، وسعت الى اتخاذ الشارع سلاحاً لتحقيق اهداف سياسية، وكذلك انتقامات سياسية، علماً انّ اجندة هذه الفئة من السياسيين، الذين هم أصلاً شركاء في السلطة المشكو منها، بعيدة كل البعد عن المطالب المحقة نفسها.
على انّ اللافت للإنتباه في جانب السلطة، هو ما يُنقل عن بعض أركانها بأنّها "طرحت الكثير من المخارج والحلول للأزمة الراهنة، وكذلك محاولة الاستجابة اكثر من مرة لمطالب الحراك، وخصوصاً مع الدعوات المتتالية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون للمحتجين بالدخول في حوار مباشر معهم، توخياً لبلوغ حلول لمطالب ينشدونها، والتي قوبلت برفض غير مبرّر ويثير اكثر من علامة استفهام حول سرّ هذا الرفض وخلفياته. ومع ذلك فإنّ دعوة رئيس الجمهورية ما زالت قائمة انطلاقاً من تفهّمه للمطالب المحقّة الى حدّ تبنّيها".
وبحسب الأجواء السائدة في جانب فريق السلطة، فإنّها "باتت وعلى كل مستوياتها المستهدفة من الحراك، تقارب ما يجري على أنّه تخطّى المنحى المطلبي، ويبيّت نوايا أخرى لا يمكن عزلها عن منحى سياسي بدأ يكشف أوراقه واحدة تلو الاخرى، وظهر بعضها وتساقط بعضها في نقاط التجمّع في الساحات وتحت الجسور وداخل الانفاق.
وفي مقابل هذه الاوراق هناك من يمتلك الكثير من الاوراق التي يمكن ان تُستخدم في حال انحرفت الأزمة الحالية عن مسارها الحالي، علماً اننا (فريق السلطة) لم نقابل الاستفزاز والشتائم بمثلها او بردّ فعل انفعالي، وما زلنا حتى الآن نمارس أعلى درجات الاحتواء والاستيعاب لما يجري، ورئيس الجمهورية رسم خريطة الحل لهذه الازمة عبر حوار مع المحتجين، وكذلك عبر حكومة جديدة يكونون شركاء فيها، وتقود البلد بتوجهات جديدة تضع لبنان فعلًا على سكة الانقاذ".
لعب على الحبلين
عند هاتين الضفتين المتصادمتين، ما زالت الصورة جامدة منذ خمسة اسابيع، وعند عناوين الصدام ذاتها، فلا الحراك تقدّم بشكل نوعي، ولا السلطة استجابت له وقدّمت ما يرضي الناس، وفي محاذاتهما أزمة اقتصادية ومالية متصاعدة ومواجهات يومية بين المصارف والمودعين. اما الحكومة الجديدة، فما زالت اسيرة اللعب على الحبلين، على حدّ تعبير مصادر ناشطة على خط الاتصالات على المسار الحكومي.
وقالت المصادر لـ"الجمهورية": "يمكن اعتبار الفترة الممتدة منذ اسقاط اسم الوزير السابق محمد الصفدي من نادي المرشحين لرئاسة الحكومة، وحتى اليوم، ميّتة، وإن كانت قد شهدت اتصالات خجولة وغير معلنة على خط "بيت الوسط" والثنائي الشيعي، الّا انّها لم تسفر عن جديد من شأنه ان يُنعش الآمال بإمكان التوصل الى حلول للمأزق الحكومي".
مثلثان
واضافت المصادر: "بعدما طُويت صفحة الصفدي، دخلنا في فترة أصعب مما كانت عليه قبل طرح اسم الوزير السابق. ففي نادي المرشحين لرئاسة الحكومة يبرز اسم الرئيس المستقيل سعد الحريري وحيداً، لكنه ما زال مصرّاً على رفضه حكومة بسياسيين، وحتى الآن لا نعرف سرّ اصراره على هذا الرفض، وبالتالي يراوح المشهد بين امرين:
الأول، فريق سياسي، يرتكز على مثلث سعد الحريري - سمير جعجع - وليد جنبلاط، ويحاول ان يجعل من الحراك الشعبي جسراً لفرض امر واقع سياسي، بديل للواقع السياسي الحالي المشكو منه، وذلك عبر الإصرار على تشكيل حكومة تكنوقراط لا تمثيل سياسياً او حزبياً فيها، متسلحاً بحجة عدم استنساخ الحكومة المستقيلة او ما سبقها، باعتبارها خياراً مستفزاً للناس، ويثير المزيد من الغضب الشعبي، كما يثير ريبة الخارج منها وغضبه من عدم استفادة لبنان من التجربة التي مرّ بها على صعيد الحراك، والاصرار على الابقاء على السياسة القديمة المتسببة للأزمة.
الثاني، فريق سياسي آخر، يرتكز على مثلث مقابل يمثله رئيس الجمهورية ومعه "التيار الوطني الحر"، حركة "أمل" و"حزب الله" يصرّ على حكومة تكنوسياسية تتولّى عملية الإنقاذ المطلوبة للبلد بمشاركة كل المكونات السياسية، خصوصاً انّ حكومة "التكنوقراط"، ليست الخيار الملائم لقيادة البلد في هذه المرحلة، ناهيك عن انّها ليست محل اجماع حولها والقوى السياسية منقسمة حولها. اذ انّ فئة صغيرة تطالب بها مقابل فئة اكبر منها ترفضها، ليس فقط لأنّ حكومة التكنوقراط تتجاوز نتائج الانتخابات النيابية وتقفز فوقها، وليس لأنّها لا تصلح لقيادة المرحلة الصعبة وتفكيك الغام الأزمة السياسية والاقتصادية المعقّدة، بل لأنّها بالدرجة الأولى أشبه بجسم رخو يفتح المجال لأي مداخلات خارجية او اطراف خارجيّة لأن تتسلّل من رخاوته اليها، فتتحكّم بها وتديرها في الإتجاه الذي تريده".
حل وسط
وتبعاً لهذا الافتراق، بحسب المصادر، "تبدو محاولة التقريب بين المنطقين صعبة. ومن البديهي القول هنا انّه لا بدّ من الوصول الى "حل وسط" بينهما، وهو ما سيحصل في نهاية المطاف. إذ لا إمكانية على الاطلاق لأيّ منطق داخلي ان يغلب منطقاً داخلياً آخر، او ليشعر اي طرف بأنّه في موقع الغالب والطرف الآخر في موقع المغلوب، وثمّة تجارب كثيرة خَبرها لبنان واثبتت فشلها وكان لبعضها اثمان مكلفة، علماً انّ ظروف البلد الحالية باتت تستوجب بلوغ هذا الحل الوسط في اسرع وقت ممكن".
وفي معلومات "الجمهورية"، انّ ثمة توجّهاً لدى "الثنائي الشيعي" لتزخيم حركة الاتصالات مع الحريري، ومحاولة اقناعه من جديد بترؤس الحكومة الجديدة. وتحدثت المصادر عن تواصل خلال الساعات الماضية بين الحريري ووزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل.
وقالت مصادر معنية بهذا الجانب، انّ "الثنائي" أكّد اصراره من جديد على عودة الحريري، باعتباره الشخصية التي تتطلب ظروف البلد وجودها على رأس الحكومة في هذا الوقت، خصوصا انّ هذا الاصرار نابع من انّ اسم الحريري هو الوحيد حالياً في نادي المرشحين لتشكيل الحكومة المقبلة، والتي لا مفرّ من ان تكون حكومة تكنوقراط بمجملها، مطعّمة بعدد قليل جداً ومحدود من السياسيين.
وفيما عكست أوساط الرئيس الحريري تمسّكه بموقفه الرافض العودة الى حكومة سياسية، تحدثت مصادر اخرى عن انّه ابلغ الوسطاء قراره النهائي بعزوفه عن تشكيل الحكومة الجديدة، الّا انّ مصادر موثوق بها، معنية بالمفاوضات مع الحريري قالت لـ"الجمهورية": "حتى ساعة متقدّمة من مساء أمس، لم يحصل اي مستجد على هذا الصعيد على الاطلاق".
وأبلغت مصادر معنية بحركة الاتصالات "الجمهورية" قولها: "ان الجهود ستُتابع مع الحريري، ولا نستطيع ان نقول انّ باب التوافق معه مقفل، وخصوصاً انّ وضع البلد بلغ مستويات في منتهى الخطورة على كل الصعد، وكرة الحل هي في ملعب الرئيس الحريري كما هي في ملعب كل الآخرين، للتنازل كل من موقعه، وعدم تفويت الفرصة المتاحة امام القوى السياسية لإعادة وضع البلد على سكة الانقاذ. وما يجب ان يكون معلوماً انّ تشكيل الحكومة امرٌ مهم جداً لإعادة لمّ البلد، الاّ انّ الأهم من الحكومة وكل مكوناتها هو الوضع الاقتصادي ومحاولة وقف انحداره، فضلاً عن انّ وضع اللبنانيين صار في أعلى درجات الاحتقان الذي يُنذر استمراره بانفجار يجرف الجميع".
عون
وتبعاً لذلك، يبقى تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، معلقاً الى حين تبلور الصورة النهائية لهذه الاتصالات. في وقت تحدثت بعض المصادر عن انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيعلن في رسالة الاستقلال التي سيوجّهها الى اللبنانيين مساء اليوم، عن موعد هذه الاستشارات، على أن تبدأ يوم الاثنين المقبل. وهو أمر لم تؤكّده لـ"الجمهورية" اوساط قريبة من القصر الجمهوري، بل اعتبرته "كلاماً ليس دقيقاً".
وفي بعبدا، قالت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية"، انّ عون سيقدّم في رسالته عرضاً للتطورات على مختلف الصعد، وسيتوقف امام الإستحقاق الحكومي الحالي وسيجّدد رؤيته لطريقة المعالجة والآلية التي سيقوم بها تحضيراً لمرحلة الإستشارات، التي يرى ان تفضي في نهاية الامر الى حكومة سياسية لمواجهة التطورات المحلية والخارجية.
الى ذلك، وفي ما يتصل بالعرض العسكري المقرّر غداً في وزارة الدفاع في اليرزة، في ذكرى الاستقلال، قالت المصادر لـ"الجمهورية": "الاحتفال قائم في موعده ووفق ما هو مقرّر وبحضور رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري.
تقرير دولي
على الصعيد الاقتصادي، صدر امس اول تقرير دولي في شأن تقييم القيود والاجراءات التي اتخذتها المصارف اللبنانية في الفترة الاخيرة.
وذكر معهد التمويل الدولي (IIF) في تقريره بعنوان "القيود على خروج الاموال من لبنان تُظهر الحاجة إلى الإصلاح"، أنّ الضوابط على رأس المال يمكن ان تُستخدم في بعض الأحيان بمثابة استجابة فعّالة لحالات الذعر غير المنطقية والمضرّة. كما انّ القيود على خروج الاموال يمكن أن تكون فعّالة في البلدان ذات الخلفية الماكرو-اقتصادية السليمة حيث تعمل المؤسسات بشكل جيّد".
وشدّد معهد التمويل الدولي على انّ تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة في الوقت المناسب وتنفيذ إصلاحات عاجلة يمكن أن يسهّلا حصول لبنان على قروض "سيدر"، مما سيعزّز الثقة ويمهّد الطريق لإزالة الضوابط الرأسمالية بأمان.
وفي السياق، أكّد كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي، غربيس ايراديان لـ"الجمهورية"، انّ الوضع خطير جداً، وهو الأسوأ الذي مرّ به لبنان، وعلى السياسيين استدراكه. متوقعاً ان تبلغ نسبة الانكماش في لبنان هذا العام 2 في المئة مقارنة مع توقعات سابقة عند 1,6 في المئة، "ليس نتيجة فرض ضوابط على رأس المال فقط، بل بسبب إقفال المصارف والاحتجاجات المستمرّة والجمود الذي أصاب مختلف القطاعات المنتجة".
وأوضح، انّ فرض قيود على رأس المال لا يمكن التراجع عنه بعد شهر أو شهرين، لكنها عملية قد تمتد لفترة أطول.
فيلتمان
دولياً، حضّت الأمم المتحدة، عبر المنسق الأممي نيكولاي ملادينوف على سرعة تشكيل حكومة في لبنان تستجيب لتطلعات المحتجين.
فيما لفت كلام للسفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي، ناقشت الاسباب التي ادّت الى انطلاق موجة التظاهرات في لبنان والانعكاسات على السياسة الاميركية تجاه لبنان.
وقال فيلتمان: "اهمية الاحتجاجات في لبنان، تفوق أهمية الحركة التي بدأت في 14 آذار 2005، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لأنّ الشيعة انضموا هذه المرة الى الحراك".
واشار الى انّه "لم يعد في استطاعة "حزب الله" أن يدّعي أنّه "نظيف"، فهو صار مشابهاً لكل الأحزاب اللبنانية الأخرى المشكوك في أدائها ونظافتها".
واذ اشار الى انّ لبنان يترنّح منذ فترة طويلة على شفا كارثة مالية، أوصى فيلتمان بأن "نجد طرقًا علنية لتجنيب لبنان الانهيار المالي أو السياسي، خشية أن توفّر الفوضى والحرب الأهلية المزيد من الفرص لإيران وسوريا وروسيا للتدخّل".
بدوره، قال ديبلوماسي غربي في حديث تلفزيوني امس: "الانهيار المالي مستبعد في لبنان، حيث النظام المصرفي جيد رغم المصاعب"، وأضاف: "لا مصلحة لأحد في عدم استقرار لبنان، لا محلياً ولا دولياً". وتحدث عن عقد اجتماع دولي حول لبنان قد يحصل خلال أسابيع، ولكنه لن يكون مرتبطاً بتشكيل حكومة.
اجتماع باريس
وكانت العاصمة الفرنسية قد شهدت الثلثاء اجتماعاً ثلاثياً حضره مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف فارنو، ومسؤول دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية ديفيد شينكر ونظيره البريطاني.
واشيعت حوله اجواء سلبية في ما خصّ لبنان، حيث تمسّك الجانب الفرنسي بتشكيل حكومة جامعة تضمّ المكوّنات السياسية كافة ولا تُقصي احداً، مع ترك الحرّية للرئيس سعد الحريري في تولّي رئاستها او تسمية شخصية اخرى. في حين عارض الجانب الاميركي عودة "حزب الله" الى الحكومة، ونُقل عن شينكر قوله: "المرحلة في نظر ادارته هي لإنهاء مفعول وتأثير سلاح "حزب الله" على الحياة السياسية في لبنان واخراج النفوذ الإيراني منه".
صحيفة النهار :
عجز داخلي عن الحل يفسح لمشاورات دولية؟
اذا كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يجد حرجاً في نعي العهد والطائف سواء بسواء ناصحاً لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بعدم قبول التكليف لتأليف حكومة جديدة، فمعنى ذلك ان تداعيات الأزمة السياسية - الحكومية باتت تنافس تداعيات الأزمة المالية - الاقتصادية بل تتفوق عليها، وهذه وتلك تضعان البلاد أمام أخطار مصيرية غير مسبوقة. وعلى رغم الدلالات البارزة لمواقف جنبلاط في هذا التوقيت، فإن مؤشرات الأزمتين الحكومية والمالية بدت أساساً كأنها اتجهت الى مزيد من التدهور والتراجع، خصوصاً في ظل الجمود "الخيالي" في التحركات والجهود السياسية الداخلية للبحث عن مخرج انقاذي لأزمة التكليف ومن ثم التأليف اذ بدا الخواء السياسي الذي ساد المشهد الداخلي في الأيام الأخيرة كأنه انعكاس لاحتمالين لا ثالث لهما: أما عجز سياسي واستسلام شامل يبدأ من الموقع الدستوري الأول أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويتمدّد في اتجاه سائر المراجع والقوى السياسية أمام الأزمة بكل وجوهها بما فيها العجز عن الاتفاق المسبق على تكليف الرئيس الحريري مجدداً تشكيل حكومة لأن مسار التأليف بات يسبق مسار التكليف في انقلاب موصوف على الدستور. وإما استمرار للعبة الرهانات والحسابات السياسية والمناورات التقليدية والعض على الأصابع لفرض الشروط والشروط المضادة، وهو أمر بات يتسبّب بمزيد من الاهتراء والنزف ولا يكفل اطلاقاً التوصل الى تسوية سياسية من شأنها تجديد التسوية الأساسية التي أوصلت الرئيس عون الى بعبدا. ذلك أن مجريات الأوضاع الداخلية وتداعيات انتفاضة 17 تشرين الأول أطاحت تقريباً معظم مكونات التسوية "الأصلية" وبات الحفاظ على شعرة معاوية الأخيرة فيها رهناً بحسم اسم الرئيس المكلف وما اذا كان الحريري سيعود أم سيخرج من رئاسة الحكومة.
تبعاً لذلك، ستتجّه الأنظار مجدداً الى الكلمة التي سيلقيها الرئيس عون في الثامنة مساءً اليوم لمناسبة عيد الاستقلال وما إذا كانت ستحمل جديداً عن الأزمة الحكومية بما يفتح الباب على تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف بعد طول تأخير لهذا الاستحقاق. حتى أن بعض الأوساط السياسية راهن على تحريك سياسي في الساعات المقبلة معلومات تحدثت عن اعادة تحريك المحركات الخامدة وتشغيل الاتصالات بين بعبدا و"بيت الوسط" من جهة، وبين "بيت الوسط" والثنائي الشيعي من جهة اخرى بحثاً عن خيط واه لانطلاق الحلّ. وتفيد المعلومات أنه على رغم تجدّد الاتصالات عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، فإن أي تقدم أو تغيير لم يحصل بعد في الكباش القائم حول الصيغة الحكومية العتيدة أي بين صيغة حكومة التكنوقراط التي يتمسّك بها الرئيس الحريري وصيغة الحكومة التكنوسياسية التي يتمسّك بها العهد وتياره والثنائي الشيعي. وقد نقل عن الرئيس الحريري تأكيده أمس لكتلة "المستقبل" التي رأس اجتماعها الأسبوعي الدوري أنه على موقفه الثابت من ضرورة تأليف حكومة اختصاصيين وأنه يقبل بتأليف حكومة كهذه وليس وارداً أن يقبل بحكومة تكنوسياسية، كما أنه مستعد للبحث في أي بديل منه كما فعل لدى طرح اسم الوزير السابق محمد الصفدي منعاً لاستمرار الفراغ الحكومي.
وفي المقابل، كشف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عدم نيته المشاركة في الحكومة المنوي تشكيلها، ورأى في حديث الى "ام تي في" أن "المشاركة ستكون لها الأثر السلبي على الحزب". وقال: "بعد عقود في المشاركة في الحكم أصبنا بالاهتراء وآن الأوان لورشة داخلية"، موضحاً أنه "بين المشاركة في الحكومة والحزب أفضّل العودة الى الحزب".
وسئل عن رأيه في إمكان عودة الوزير جبران باسيل إلى الحكومة أجاب: "أعتقد أن هناك وجوهاً انتهت"، وذهب الى القول أن "العهد كلّه انتهى وكذلك الطائف وما يحصل على الصعيد الحكومي مخالف للدستور". وأضاف: "نصحت الحريري بعدم ترؤس الحكومة المقبلة وقلت فليحكموا حتى لو كانت من لون واحد لكن يبدو أن كلامي لم يلق صدى". كما كشف أنه قال للحريري "إيّاك وتسمية النائب السابق محمد الصفدي".
في غضون ذلك استرعى الانتباه أن منسوب الاهتمامات الدولية بالوضع الناشئ في لبنان بدأ يرتفع باطراد. وسجلت في هذا الاطار أمس دعوة الأمم المتحدة الى تأليف سريع لحكومة في لبنان "تستجيب تطلعات المتظاهرين وتحظى بدعم من البرلمان". كما حضّت الأمم المتحدة قوى الأمن على الاستمرار في حماية المتظاهرين السلميين.
باريس والتحرك الداعم
على أن الأهم برز في ما نقله مراسل "النهار" في باريس سمير تويني عن مصادر طلبت عدم ذكر اسمها من أن زيارة مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو لبيروت أخيراً كانت في الدرجة الأولى استطلاعية ورسالة دعم وللمطالبة في ظل الوضع الخطير الذي يمر به لبنان بتشكيل حكومة اختصاصيين لاتخاذ القرارات الضرورية لتطبيق الاصلاحات وللاستجابة لمطالب الشارع اللبناني.
وكرّرت المصادر أن باريس لا تريد التدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية ويعود الى اللبنانيين أن يتوافقوا في ما بينهم لإخراج حكومة من عنق الزجاجة وذلك لإيمان الفرنسيين بسيادة لبنان وعدم رغبتهم في التدخل في شؤونه الداخلية.
وأفادت أن جولة فارنو أتاحت معرفة مواقف جميع الأطراف على الساحة الداخلية بالنسبة الى الحلول السياسية والاقتصادية، وأن فرنسا هي باستمرار "على السمع" وتتابع التطورات.
وقد عرضت نتائج الزيارة خلال الاجتماع الذي عقد أول من أمس في وزارة الخارجية الفرنسية بين ممثلين لفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا واعتبر المجتمعون أنه يعود الى اللبنانيين التحرك لأن البلد يمر بوضع متأزم كبير اقتصادياً وسياسياً وأن الشارع يرفض النظام الحالي.
ويعود الى الطرف الفرنسي الذي تولى هذه المبادرة وفي سياق جولة فارنو، حشد شركاء فرنسا والمجتمع الدولي لتأمين حل للازمة. وستجري باريس اتصالات مع حلفائها الدوليين والاقليميين لهذا الغرض علماً أن لا خلافات تذكر بين الأطراف الدوليين، ولا سيما منهم الفرنسي والأميركي، حول الحلول على رغم أن لكل طرف حساسيات خاصة به. ومع أن الحل المنشود يتطلب التحرك بسرعة فإن الدوائر الديبلوماسية لا تزال في مرحلة التفكير في سبل الدعم من أجل تحريك عملية الاستشارات وتأليف الحكومة من خلال اعادة الثقة بين جميع الأطراف. وتأمل باريس في عدم حصول أي قمع للحراك شعبي. وتعتقد باريس انه يستحسن أن يكون الفريق الحكومي الجديد من اختصاصيين غير تابعين لأحزاب سياسية وأن يحوز ثقة الجميع وأن يعمل بسرعة من أجل اقرار الموازنة والبدء بالاصلاحات الضرورية التي تحتاج الى تمويل كالقضاء مثلاً. ذلك أن الدول المانحة لن تقدم الى لبنان شيكاً على بياض وهو في حاجة ماسّة الى تمويل دولي وهذا يقتضي من الحكومة التزام برنامج اصلاحي يطبق.
وترى باريس أن حكومة مواجهة ستزيد الوضع تأزماً ولن تحل المشكلة.
وفي هذا الاطار، ستقوم باريس بدور المسهل وهي تتابع عن كثب الأحداث وتأمل في عدم التصعيد الأمني لأن ذلك سيؤدي الى مزيد من التأزم الاقتصادي والمالي. وتأمل في التوصل الى حلول خلال الأسابيع المقبلة.
وطرحت بعض الأفكار للمساعدة، منها دعوة الى عقد مؤتمر للدول الداعمة للبنان، لكنها حتى الآن لم تتعد الفكرة، ولم يحدّد بعد على أي مستوى يمكن ان يعقد هذا المؤتمر، فالأمر مرهون بالتطورات الداخلية وأبرزها تشكيل الحكومة.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك