
حين نتعرض للظلم والتضييق، من حكام فاسدين، لا قدرة لنا على مواجهتم، ومنعهم من ظلمنا، وإعناتنا، فالأمر مفهوم، ومعقول، لكن الذي ليس معقولا أن نظلم أنفسنا بأنفسنا، وأن نفرض على أنفسنا الخضوع لعادات، وتقاليد، نعلم جميعا أنها مضرة بنا، ولا تجلب لنا أي منفعة، وليس في فعلها أي مصلحة دينية أو دنيوية.
ولنأخذ على سبيل المثال عادة العزاء، التي يقرر العقل والنقل أن المراد منها تسلية أهل الميت، وتخفيف وقع المصيبة عليهم،
وليس هناك أي تحديدات من الشرع لتحقيق هذا الواجب الاجتماعي، باستثناء غسل الميت، وتشييعه، إلى المقبرة، ثم الصلاة عليه، والانتظار حتى انتهاء الدفن.
أما ما عدا ذلك فراجع إلى ما يحقق مصلحة التعزية، فإن كان المصاب قاسيا على أهل الميت، كأن يكون الفقيد شابا، أو مقتولا، أو كان الموت مفاجئا، أو بحادث أليم، فلا حرج من اجتماع أقرباء أهل الفقيد، وجيرانهم، وأصحابهم، حولهم للمواساة، وتخفيف الألم، لكن حين يكون الموت عاديا، أو يكون الميت كبيرا - وسنة الله أن نرحل جميعا عن هذه الحياة- وغالبا ما يكون مريضا امتد به مرضه سنوات، وبات موته متوقعا في أي وقت، فما فائدة إجبار أهل الفقيد على تعطيل مصالحهم، وحبس أنفسهم أياما عديدة، من الصباح إلى المساء لاستقبال المعزين؟ مع ما يلزمه العرف الاجتماعي من ضرورة وجود كل من له صلة بأهل الميت أن يكون بجانبهم، يتقبل العزاء معهم.
وكم هو مرهق على من يريد أن يطبق سنة "اصنعوا لآل جعفر طعاما" أن يقدم الطعام لهذا العدد الكبير الموجود في العزاء؟ خاصة في ظل هذه الضائقة المادية؟
ولماذا نرهق الناس بالتوافد من كل حدب، وصواب لتقديم العزاء، ونلوم من لم يحضر، وربما هجرناه وقاطعناه؟
أظن أنه بات من الضروري جدا أن نجري مراجعة لعادة العزاء في مجتمعنا، وأن نضبطها بما يحقق المصلحة من وجودها، ويرفع عن الناس العنت والمشقة، وقد يكون مناسبا في مثل الحالة المتقدمة الاكتفاء بتشييع الميت، والصلاة عليه، وتقديم العزاء في المقبرة، من غير حاجة إلى الاجتماع إلى العزاء في خيمة أو قاعة أو نحوها، بل حيث التقينا بأهل الفقيد عزيناهم.
والله أعلم
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك