
ثمّة نصيحة وَردت إلى بيت الوسط من مكانٍ ما، مفادها: "قدّم تشكيلتك يا سعد وامضِ في المواجهة الناعمة"، وهكذا، سنّ رئيس الحكومة المكلّف أسنانه وحزم أمره على الصعود إلى "القصر" محمّلاً بملف يضم تشكيلة من 18 مقعداً لعرضها على مائدة رئيس الجمهورية وفق قاعدة "take it or leave it".
الأجواء في داخل ديار الرئاسة المكلّفة تفيد بالتالي: "الرئيس سعد الحريري أنجزَ صيغته الحكومية وضمّ إليها مجموعة أسماء على المستويات المذهبية كافة، ويبقى أن يصعد إلى قصر بعبدا لعرضها على رئيس الجمهورية ميشال عون لإجراء المتقضى الدستوري، لكنه لم يحدّد الموعد ولم يطلبه بعد".
في المعلومات، أن الرئيس الحريري ينتظر جملة إشارات تصلح لترتيب أمر صعوده إلى قصر بعبدا، يظهر أنها لم تتوفّر حتى الآن، ويبدو أن الحريري شديد الحرص على ان لا يتم تفسير أي خطوة من قبله في معرض "النكاية السياسية".
في المقابل، يرصد ما يخرج عن القصر من معطيات. في هذه اللحظة أطلق قصر بعبدا "معلومات طيّارة" حول موقفه من التشكيلة المزمع عرضها واضعاً مجموعة معايير سبق وأن حدّدها وتحدّث باسمها خلال اللقاءات التسعة التي جمعته بالحريري. ما يريد القصر قوله أنه يرحب بخطوة الحريري ما دام أنها تندرج تحت خانة التنسيق المشترك، وما دون ذلك سيكون للرئيس موقفاً منه.
على الضفة المقابلة، ثمّة من بدأ يتحدّث عن أن القصر سيّر "درونات بشرية" في محاولةٍ منه لاستقاء معلومات حقيقية عن طبيعة التشكيلة التي سيقدّمها الحريري، بغية تقدير الموقف منها بداية والبناء على الخطوة لاحقاً، لكن حتى الساعة، والحديث للمصادر، لم يتوصل القصر إلى أكثر مما سرّب في الإعلام حول التشكيلة.
عملياً، يحيط بيت الوسط التشكيلة الحريرية بهامش واسع من الاحاطة ويبقيها طي الكتمان، ويبدو انه يطمح لتفجيرها في لحظة معينة لتأتي بمفاعيل رمانة يدوية لا قنبلة صوتية. في مكانٍ آخر، تلعب مصادر البيت الحريري على عامل الوقت، ففي حين تتحدّث مصادر رسمية من بينها نواب رئيس تيّار المستقبل أن الحريري في صدد تقديم تشكيلته إلى رئيس الجمهورية، تلعب أخرى لعبة تضييع البوصلة، فتتحدّث عن أن الرئيس المكلف "ما زال يفكر ويدرس الخطوات والموعد"، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على تضارب المعطيات لدى الحريري ومحاولة فريقه تعويم معطيات إيجابية على بوابة "المؤتمر الفرنسي الانساني" لدعم الشعب اللبناني.
على هذا الخط، ثمّة من يجهل طبيعة الاجواء الايجابية، وبالنظر إلى الواقع السياسي الراهن، فلا معطيات واضحة تفيد عن زرع التشكيلة الحريري في تربة خصبة كي تثمر حكومة.
بهذا المعنى، فإن اجواء الاقليم الملتهب والوضعية السياسية الأميركية واستطراداً الاوروبية، لا تفضي في أي حال من الاحوال إلى مناخات إيجابية تستثمر في صنع حكومة، لا بل إن الكفة بمجملها تميل إلى صالح تموضع الجميع ضمن "مرحلة إنتظار" لاستشراف المرحلة وتداعياتها. وبحيث أن الإقليم بات ملتهباً بعد عملية اغتيال العالم الايراني محسن فخري زاده، فإن رمي حكومة على الطاولة في هذا الوقت قد يعرّضها إلى درجة النيران المستعرة في الإقليم فيصهرها. كل ذلك يحيلنا إلى أجواء مختلفة عما يتم بثّه.
في المقابل، ما زال الرئيس الحريري أسير ملف العقوبات، فصحيح أن حزب الله يرفده بطاقة إيجابية حين يكشف عن أن رئيس تيار المستقبل ما حدّثه يوماً عن إحتمال أن تكون العقوبات عائقاً أو أن حزب الله يمثّل مشكلة في مسار تأليف الحكومة، وبالتالي الحزب، ورغم كل المعلومات التي يجري تناقلها، يتعامل مع القضية على أنها فرضية غير موجودة إلّا في الاعلام بدليل أنه لم يجرِ تبليغه ابداً بشيء من هذا القبيل رسمياً من قبل المراجع المعنية بأمر التشكيل، وطالما أن الامر كذلك، يعتبر أن حضوره في مسار التأليف لا يستدرج أزمات"، مع ذلك ما زال الحريري يتموضع في نقطة الخوف.
ما هو مطلوب من الحريري اليوم، وببساطة، ان يتحرّر أو الاصح أن يحرّر نفسه من حديث العقوبات، فالقيادة الاميركية التي ما برح يخشى منها، راحلة! ثم إنه يقول أن أحداً لم يتحدّث إليه أو ينقل إليه طلباً أميركياً برفض تمثيل الحزب، والباقي يسمعه في الاعلام، وما دام الامر كذلك، لماذا ما زال يأسر نفسه في "زنزانة العقوبات" ولمصلحة مَن؟ ولأيّ غاية؟ وهل وصلته أي رسائل خليجية سواء مباشرة أو غير مباشرة؟ وهل يراهن على تبريد المرحلة الانتقالية الاميركية كي يتسنى له العبور بحكومته؟ اسئلة تنتظر أجوبة...
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك