
ان الظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة بوجه عام ولبنان بوجه خاص تفرض علينا تحديث النهج والآلية بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة الراهنة، والحاجة أصبحت ملحّة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الى توحيد الرؤية ووضع الطاقات والإمكانات وبذل أقصى الجهود لبلوغ الإصلاحات المنشودة والأهداف الوطنية التي هي بغية المواطنين، جميع المواطنين.
وفي هذا الوقت الذي كثر الكلام فيه عن الاستحقاق الرئاسي والعهد المقبل، نرى انه لم يعد بإمكان أحد أن يمارس السلطة في لبنان بدون رؤية وخطة ومعرفة. والثقافات السياسية المتبعة حتى الآن لـم تـعـد جـديـرة بالمطلق بمعالجة المشكلات القائمة وقيادة البلاد نحو مستقبل أمن، وتأمين الـتـرقـي والنهضة الحضارية المنشودة للالتحاق بالأوطان المتقدمة في عصر لم يعد فيه مكان للأوطان المتخلفة. لذلك نعلن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ما يلي:
يكتسب لبنان معنى وجوده من خصوصية تكوينه المجتمعي، فلبنان رسالة حضارية قبل أن يكون وطنا ودولة، ولا قيمة للدولة اللبنانية إلا بقدر ما تحتضن هذه الرسالة وترعاها.
لقد تعرضت البلاد الى نكسة كبيرة نتيجة ضعف السلطة في إدارة شؤونها وتحصينها، وبفعل الصراعات الاقليمية والدولية التي وجدت في لبنان متنفّسا لها، غير ان الحرب، رغم شراستها وامتدادها سنوات طويلة، لم تتمكن من القضاء على كينونة لبنان المتجذرة في عمق رسالته الحضارية، وان كادت تقضي على إمكانات لبنان الاقتصادية وتشوّه صورته الحضارية والسياسية، فخرج اللبنانيون من الحرب أكثر اقتناعا وتمسّكاً بعيشهم المشترك لأنهم وجدوا فيه خشبة الخلاص، ولكن الممارسات السياسية لم تكن على مستوى طموحات اللبنانيين. لقد ارتضى معظم اللبنانيين اتفاق الطائف لتحقيق الوفاق الوطني على قاعدة الإصلاحات السياسية والدستورية، وتمكين الدولة من استعادة دورها من خلال إعادة بناء مؤسساتها على أسس سليمة، وتجديد تجربة العيش المشترك وترسيخه، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وتخطي الأزمات التي يعاني منها الشعب، غير ان إنهاء الاقتتال واستتباب الأمن، وعودة الحياة الطبيعية، والاستقرار المالي الذي تحقق وتنفيذ بعض مشاريع البنى التحتية لم يقترن بتحقيق الأمور الموعودة. فالذهنية التي تحكمت في مسار العمل السياسي أعاقت مشروع بناء دولة القانون والمؤسسات. وأفرغت اتفاق الطائف نفسه من مضمونه، وأوصلت لبنان الى وضع متأزّم. وقد أدّى هدر المال العام، والمحاصصة وتجذّر الفساد في الإدارة، وزيادة الركود الاقتصادي، وتردّي الأوضاع المعيشية، وتراجـع تجـربـة لبنان الديموقراطية، الى انحطاط القيم بوجه عام.
وحدة وطنية راسخة
ان تخطي الواقع الذي يعاني منه لبنان، وتجديد معنى وجوده وإستعادة دوره ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، على المستويين الاقليمي والدولي، والتصدي لمخططات العدو الإسرائيلي التي تجاوزت القانون الدولي وشرعيته، تتطلب دولة تحقق وحدة وطنية فعلية راسخة، وذلك باعتماد سياسات تنمي الجوامع المشتركة، وتوفر شروط العيش الكريم لجميع اللبنانيين على شتى انتماءاتهم، وتضع حدّا نهائيا للانقسامات الطائفية والمذهبية التي شرذمت المجتمع وقوضت أركان الحياة الوطنية. ان الدولة القادرة على القيام بهذه المهمة، التي لا غنى عنها، هي دولـة الـقـانـون والمؤسسات الـعـامـلـة على تحقيق الديموقراطيـة بأبـعـادهـا السياسية والاجتماعية والثقافية، ولا يمكن لدولة كهذه أن تنهض في لبنان ما لم يتوفر لها سياسيون أكفّاء مترفّعون عن الصغائر والمصالح الضيقة، متحررون من العصبيات على اختلافها. مسؤولون يدركون معنى وجود لبنان، ويجسّدون في ذواتهم القيم الإنسانية. ويؤمنون بالديموقراطية قيمة بذاتها، ويلتزمون التقيّد بالدستور والقوانين. مسؤولون يمتلكون رؤية سياسية عميقة وسليمة لما يجب أن يكون عليه لبنان على مشارف الألف الثالث، ومصممون على تحويل هذه الرؤية واقعا يعيشه الشعب والمجتمع والدولة، مسؤولون لهم تاريخهم ومواقفهم ونهجهم ما يجعلهم موضع ثقة اللبنانيين والعالم.
ان الاستحقاق الرئاسي فرصة لا بد من أن تشكّل منعطفا أساسيا نحو الخروج من حالة التردي التي لم يعد للبنان واللبنانيين طاقة على تحمّلها، في ظل ظروف اقليمية ودولية ضاغطة، وبداية إستعادة لبنان دوره الرائد في دنيا العرب والعالم. فرئيس الجمهورية، عليه أن يقود عملية الإنقاذ لكونه رئيس الدولة. ورمز وحدة الوطن والساهر على احترام الدستور والمحافظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، والضابط أداء مؤسساته الدستورية حيال ذلك ينتظر اللبنانيون انتخاب رئيس يتمتع بالصفات القيادية والنزاهة والقدرة على المبادرة وملتزم بتطبيق المبادئ والقواعد التي نص عليها الدستور.
ويدرك المثقفون ان النظام البرلماني المعتمد في لبنان لا يمكن رئيس الدولة من تحقيق التحول المطلوب في مسار الحكم ما لم تتوفر للبلد حكومة تتحمّل المسؤولية بجدارة، وتعطي لكل ذي حق حقه معتمدة المؤهلات العلمية والخلقية الوطنية منطلقا للمناصب والمسؤوليات ومجلس نواب يمارس دوره كاملا في إطار الالتزام بقضايا الشعب والوطن.
متطلبات الإنقاذ
ومن المفترض بالانتخابات الرئاسية أن تشكّل الخطوة الأولى في مسيرة الإنقاذ الذي يتطلب تحقيق الأمور الآتية:
1- ممارسة رئيس الجمهورية دوره كاملا في الـتـوجـيـه وضبط أداء المؤسـسـات الدستورية، والسهر على احترام الدستور وصون الوحدة الوطنية والاستقلال.
2- إستعادة كل من المؤسسات الدستورية دورها في إطار المبادئ والقواعد التي نص عليها الدستور، بما يضع حدا نهائيا لبدعة الترويكا.
3- تحصين القضاء عملا بما ورد في وثيقة الوفاق الوطني لجهة تامين استقلالية السلطة القضائية استقلالا تاما.
4- إصلاح الإدارة وتفعيلها وضبطها وتنفيذ اللامركزية الإدارية الموسعة، وتوفير الشروط التي تمكن الادارات المحلية من ممارسة مهامها.
5- الالتزام بتطبيق قانون الاثراء غير المشروع وترشيد الانفاق والحفاظ على المال العام والقضاء على الفساد.
6- وضع قانون جديد للانتخابات النيابية يضمن صحة وعدالة التمثيل وتكافؤ الفرص، عن طريق تحديد سقف الانفاق المالي على الحملة الانتخابية، وتنظيم الاعلام والاعلان الانتخابي، حفاظا على الحياة الديموقراطية السليمة في لبنان واعتماد سن الانتخاب الى الثامنة عشرة ليتيح لجيل الشباب المشاركة في المسؤولية وإعادة النظر بتقسيم الدوائر الانتخابية، ووضع قانون عصري للحياة الحزبية في لبنان.
7- معالجة الركود الاقتصادي، وإيلاء المسألة الاقتصادية الاهتمام الكلي ولا سيما ان المعطيات تشير الى الـتـحـدي الأكبر الذي سيواجه البلاد في العهد المقبل، وتنشيط القطاعات المنتجة وبخاصة الزراعة والصناعة، وتحسين الأوضاع المعيشية، ووضع وتنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية من شأنها إعادة تكوين الطبقة الوسطى دعامة الاستقرار والازدهار، والتركيز بصورة خاصة على الانماء المتوازن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا للمناطق كافة، والتعجيل بانشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتفعيل دوره لضمان حوار متكامل ومثمر بين القوى الانتاجية في لبنان، وتطوير نظام الضمانات الاجتماعية لتشمل جميع المواطنين وفي مختلف المجالات، والقدرة على ضبط الوضع العام مما يساعد على تحقيق الاستقرار الذي تنشده المؤسسات النقدية والمالية والاستثمارية الدولية.
8- توسيع مهام الضمان الاجتماعي بالانتقال من نظام نهاية الخدمة الى ضمان الشيخوخة واعتماد نفس المعايير الموظفي القطاع العام وتكريس الحق لكل مواطن بالعباية والاستشفاء.
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك