
رواية مسلسل "التيار الوطني الحرّ" مماثلة لفيلم أميركي طويل يسعى المخرج في آخره إلى نهاية سعيدة، لكن كيف ستطبق هذه النهاية على مسلسل "التيار" خصوصاً وأن مخرجه جبران باسيل المتميز بطائفيته وعنصريته المقيتة يعيش انفصاماً تاماً عن الواقع اللبناني؟ كيف لا وقد نسي باسيل أن رئيس عهد جهنم ميشال عون إقترح في العام 2017 من خارج جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء تعيين رياض سلامة حاكماً للمصرف المركزي لست سنوات جديدة؟ وعندما انتهت مصلحتهم معه قاموا بحملة مضادة عليه عام 2020 تحت شعار إقالته ومساءلته، واليوم بعد خروجهم من السلطة يحاولون "ابتداع" أي حملة تجعلهم يكسبون شعبية أكثر من أي وقت مضى لأنهم بأمس الحاجة اليها، تحديداً في ظل التخبط والانقسامات الداخلية في تيارهم. وعلى الرغم من إنكسار باسيل نتيجة خروجه عن خط محور الممانعة، ظلّ عاجزاً عن التلاقي مع أي فريق منصّباً نفسه ضمن فريق المعارضة لنهج السلطة التي لا يزال عنصراً مهماً فيها.
"الصهر المدلل" لا يكتفي بالحصول على القليل، فقد أراد السلطة والنفوذ معاً ليكون الآمر الناهي، وهذا ما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يوافق على إعطائه الثلث الضامن ورفض أن يكون أداةً يستخدمها عندما تقتضي مصالحه، فما كان من باسيل الا أن بدأ بحملة إعلامية ممهنجة ضده تحمل كل الشائعات والأخبار المغلوطة التي يعيشها التيار وأبواقه الاعلامية، وعلى الرغم من كل هذه الحروب العبثية لم يتنازل الرئيس ميقاتي وبقي يواجه كل هذه البيانات الافترائية التي يطلقها التيار بأن هذه الحكومة فاقدة للشرعية، في اطار بدعته المتعلقة بالمثياقية المسيحية، وآخر هذه الحروب كانت اتهام التيار ووزارئه رئيس الحكومة بأنه يحاول جاهداً عدم إقالة الحاكم رياض سلامة، مع العلم أن الحكومة لا تملك أي صلاحية في هذا الصدد، فلماذا نحمّلها كل هذه المسؤولية عن طريق هذا الكلام الشعبوي؟
حرب طواحين الهواء إمتاز بها باسيل، لأنه لم يعد يملك شيئاً يخسره، فمن خلال حملاته الاعلامية الرخيصة وغير الواقعية يستخدم شعارات وعناوين فضفاضة يؤثر من خلالها على أزلامه، لكن الفئة الأكبر من الشعب لا تتأثر بها، فهي تدرك جيداً أن باسيل وعمه هما أساس الخراب في لبنان ومن ساهما في تدمير السياسة والاقتصاد، وأوصلا البلد الى ما هو عليه اليوم، ولن يحيد باسيل قيد أنملة عن إستكمال هذه السياسة التخريبية التي بدأت لحظة وصول عون الى سدّة الرئاسة.
هذه الحرب التي يشنها باسيل اليوم ليست سوى حرب إلغاء، وهم معتادون عليها منذ العام 1989 عندما كان عون في السلطة، وهذه السياسة المتبعة لالغاء الرموز المتبقية في الادارات كي يضع باسيل تركيبته الجديدة المناسبة خلال العهد المقبل، فهو مريض نفسي وعاشق ولهان للكرسي وعاجز عن تقبل فكرة أنه بات خارج الحكم. ولكن حتى لو تناسى باسيل وأنصاره أنهم جددوا لحاكم مصرف لبنان فهذا ليس مستغرباً، اذ أن عمه عيّن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وبعدها شنّ هجوماً عنيفاً عليه، والحال نفسه ينسحب على مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس الذي جعلوه يقدم إستقالته نتيجة حروبهم الالغائية، وهم من عيّنوا رئيس هيئة الشراء العام جان العلية وبعدها هاجموه، وعيّنوا قائد الجيش العماد جوزيف عون واليوم يحاولون بشتى الطرق إحراق إسمه ومنعه من الوصول الى قصر بعبدا، لأن باسيل العاجز يريد تدمير كل الشخصيات التي ربما تكون بديلاً عن مشروعه السياسي في مرحلة ما.
في هذا السياق، إستغربت أوساط مطلعة عبر "لبنان الكبير" هذه الحرب التي أطلقها التيار على سلامة "خصوصاً وأن ولايته منتهية وعملياً وادارياً لا يتبقى له سوى 40 يوماً في الحكم"، معتبرة أن "الملاحقات القضائية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في المعادلة، لكن السؤال الأهم هل بات لباسيل أي بديل عن سلامة عندما يغادر المنصب؟ وطالما أنه ليس بمعارضة ويملك ثلث هذه الحكومة لماذا لم يقرر ماذا يريد اليوم، ومن البديل الذي يريدونه؟".
وتساءلت هذه الأوساط "في حال تمت إقالة سلامة اليوم، ماذا سيحدث بالتعاميم التي يصدرها وما البديل عنها؟ وما البديل عن صيرفة؟ ومن سيمضي على الحوالات النقدية؟ خصوصاً وأن هناك في نظام النقد والتسليف بنوكاً مراسلة للخارج اذا لم يوقع سلامة شخصياً على مراسلاتها لا تبصر النور بالاضافة الى خزنات الذهب التي لا يمكن فتحها أو اغلاقها الا بواسطة بصمات الحاكم، فمن سيشغل كل هذه الضرورات؟"، مشيرةً الى أن "باسيل يحاول القول إن سياسة سلامة والحكومة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم، لكن الحقيقة أن سياساتهم هي وراء كل هذه الانهيارات التي نعيشها، سلامة مذنب ويتحمل جزءاً من المسؤولية لكنه كان موظفاً لدى هذه الطبقة السياسية ونفذ سياساتها، وعندما قاموا بالتجديد له لم يدركوا أنه خطر على السياسة المالية، أم عندما يعوّم سيدروس البنك التابع للتيار ويموّله لا يكون خطراً على السياسة المالية؟".
ورأت الأوساط أن "حرب التيار الاستباقية على سلامة كي لا يكشف فضائحهم في وزراة الطاقة والمياه وفي السدود والبواخر ووزارة الاتصالات خصوصاً وأنه بئر أسرارهم ولم يسلم منهم".
وشددت مصادر مطلعة ومواكبة للملف على أن "المسؤول الأول عن هذا التمديد هو الرئيس السابق ميشال عون، وبعد ذلك عندما جاء الرئيس نجيب ميقاتي وقال يومها لنتوافق جميعنا على إقالة سلامة وتعيين بديل عنه في هذه الجلسة رفض عون الأمر شخصياً، وبعدما طرح ميقاتي إقتراحاً بتعيين نائب سلامة الدكتور وسيم منصوري ما كان من عون الا رفض التعيين باعتبار أن هذا الأخير من الطائفة الشيعية وهذا المنصب حصراً مخصص للموارنة".
وأكدت المصادر نفسها أن "إقالة سلامة اليوم ليست منوطة بالحكومة أو برئيسها وبحاجة الى اجراء قانوني، والرئيس ميقاتي لا يحمي ولا يغطي أي شخصية والقرار يعود الى التوافق، وفي حال كان باسيل يريد تعيين الحاكم المنسجم مع مصالحه الضيقة وأهوائه فليسارع الى انتخاب الرئيس المقبل كي تنتظم من خلاله الحياة السياسية وتشكل حكومة جديدة وليكن على أول إجتماع لها بند تعيين الحاكم الجديد أو بند متعلق بإقالة سلامة من منصبه".
المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع لبنان 360 بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و"الموقع" غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك